/ صفحه 257/
و ما أن علم عبدالله بن على ببيعة المنصور في العراق، وكان ـ كما قلنا ـ يتحين الفرص للمطالبة بحقه في الخلافة، حتى جاهر بالدعوة إلى نفسه وعدل بجيشه إلى العراق، ولكن خانه الحظ وأخفق في الوصول إلى بغيته، وانتهت حياة بطل الزاب بالموت في سجن ابن أخيه المنصور بعد هزيمته في واقعة "نصيين"(2) على يد أبي مسلم الخراساني، هكذا أخفق عبدالله بن على في الوصول إلى غايته المنشودة، ومرد إخفاقه فيما تراه إلى قصرنظره وافتقاره إلى شيء كثير من الدربة والحنكة السياسية وكان دون أخيه محمد بن على ربان الدعوة العباسية في كل شيء. كان دونه في عقله الراجح، وكان دونه في حزمه وخبرته الواسعة، وقد ارتكب في دعوته إلى نفسه أغلاطاً فظيعة، فإنه أمر بقتل عدد كبير من الخراسانيين كانوا في جيشه لتوهمه بميلهم إلى أبي مسلم الذي ندب لقتاله، وهم أيضاً أن يفتك ببعض القحاطبة وهم
ـــــــــــ
1- انظر حياة الحيوان للدميرى (1/62).
2- تجد تفصيل هذه الوقائع التي وقعت بين أبي مسلم الخراسانى وبين عبدالله بن علي عم المنصور في تاريخ الطبرى (9 / 156 / 159) ومروج الذهب (2/197 - 198) في المطبعة الازهرية ص 167. والكامل (5/220، 222) وقد ترجم الخطيب البغدادى لعبدالله بن علي هذا في تأريخ بغداد (10 / 8 - 9) وانظر أيضاً (ص 53) من الجزء المذكور. وتجد كيفية حبس عبدالله وقتل أصحابه بعد وصولهم إلى المنصور في الكامل (5/236) وتجد طرفا من أحوال عبدالله بن علي هذا في كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى (85 - 86 - 103 - 130 - 132).
من أشهر القواد في جيشه، وكان جل جيشه الباقى مؤلفاً من أهل الشام الذين غلبوا على أمرهم في واقعة الزاب، ولا بدلنا من القول: أن المنصور اضطرب الاضطراب كله في بد هذه الحركة التي قام بها عمه حتى أنه همَّ بالخروج إلى مناجزته بنفسه، وكان لا يرى من بعده أهلا للقيام بحرب عبدالله إلا أبا مسلم الخراساني، ولذلك قال له: "ليس لهذا الأمر إلا أنا أو أنت، فامتثل أبو مسلم أمر المنصور في قمع هذه الثورة، ولم تقمع إلا بعد أن مضت عليها أشهر غير قليلة، وهي أول حرب تقع في صدر الخلاقة العباسية بين أهل خراسان بقيادة أبي مسلم وأهل الشام في الجزيرة بقيادة عبدالله بن على المذكور.