/ صفحه 255/
كثير من الناقمين عليهم في حواضر الشام والجزيرة وبواديها، فانطوى هؤلاء على كثير من الغل وفساد النيات.
أصبح هؤلاء الناقمون عونا لكل ثائر على العباسيين، ولو لم يكن ذلك الثائر من بني أمية فكثرت الفتن في الشام والجزيرة، وفي ديار بكر وربيعة، وفي ديار مضر، وتعدد خروج الخوارج في هذه البلاد، ولا يخلو تأريخ بلد قديم غلب أهله على أمرهم من محاولة للثورة والانتقاض على الغالب، فقد ثار الحجاز وثار العراق وثار غيرهما من الاقطار على حكم بني أمية، فلماذا لا تثور الشام؟ ولماذا لا تثور الجزيرة على حكم بني العباس؟ وقد تعددت الفرص
من يتتهزها من ذوى المطامع والاغراض البعيده، وفي البلاد المذكورة ـ وهي الجزيرة والشام ـ بقية باقية من أنصار بنى أمية ومن مواليهم الضالعين معهم، ولنا أن نقول: أن القطر الشامي وما إليه قد استحال بسبب سخط الساخطين، و
بسبب وجود عدد لا يستهان به من موالي الامويين وأنصارهم إلى بيئة صالحة للخروج على بني العباس، وللدعوة إلى مناهضتهم وخصومتهم من أية ناحية جاءت هذه الخصومة.
أبو جعفر المنصور:
و ما أن وافي السفاح أجله ليخلفه أخوه الاكبر أبو جعفر المنصور حتى كشرت الفتن عن أنيابها، وحتى توالت القلاقل في دولته، ولكنه ـ أي المنصور ـ واجهها بما عرف عنه من صرامة وفطنة ودهاء، وقد تخلص ـ بموجب خطة رسمهاـ من خصومه واحداً بعد آخر، تخلص من عمه عبدالله بن على الثائر عليه بأبي مسلم الخراساني صاحب الدولة، ثم تخلص من أبي مسلم كما تخلص من زعماء آخرين توسم في بقائهم خطرا على دولته، وخلع ابن أخيه عيسى بن موسى من ولاية العهد ـ وكان السفاح عهد إليه من بعد المنصور ـ وعيسى هو الذي حارب له الاخوين محمداً وإبراهيم من أبناء الامام الحسن، فظفربهما، فكوفي بخلعة من قبل المنصور، وعهد بولاية عهده إلى ولده المهدى، ثم إلى عيسى بن موسى