/ صفحة 74/
فأفاد أن النزاع بين المسلمين لا يؤثر في عقيدتهم الدينية وإن وصل إلى حد التقاتل، إذا يقول: ((و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)) فجعلهما من المؤمنين مع اقتتالهما، فأفاد بهذا أن اقتتالهما لا يؤثر في عقيدتهما، ولم يستثن من هذا طائفة منهما، مع أن لا بد أن واحدة منهما تكون على حق في هذا التقاتل، وتكون الاخرى على باطل، ولكنه باطل في السياسة لا يؤثر بشيء في الدين، ولا يقدح في أصل العقيدة.
ثم أفاد أن ذلك التقاتل بين الطائفتين لا يؤثر في أخوتهما لنا، فأبقى بيننا وبينهما هذه الاخوة، كما أبقى لهما عقيدتهما، ولم يفرق في هذا أيضا بين محق ومبطل فكل منهما تبقى أخوته لنا، ولايؤثر فيها خصومتهما، بل قد يفيد ذلك بقاء هذه الاخوة بين الطائفتين، كما تبقى بين أخوين في النسب يقاتل أحدهما الاخر.
وقد أمر في الايتين بالصلح بين الطائفتين، فإن أبت احداهما الصلح وبغت على الاخرى وجب قتالها إلى أن تفىء إلى الصلح، وترضى بما يقضى به بينهما بالعدل، وما أسمى القرآن الكريم حين يأمرنا بالصلح أولا بين الطائفتين المقتتلتين، مع أن فيهما محقة ومبطلة، وما أكثر ما تندفع الطبيعة البشرية إلى الانضمام في التقال إلى الطائفة المحقة، ولكن القرآن أسمى من أن يندفع مع هذه الطبيعة البشرية، لأن مثل هذا يزيد في الخلاف بين الطائفتين، وإنّما الواجب السعى في الصلح بينهما أولا، فإن بغت احداهما على الاخرى عوملت بالقوة، حتى تفىء إلى أمر الله، وترجع إلى طاعة ولى الأمر، فيكون قتالها مشروعا يدعو إليه نظام الدولة، ووجوب طاعة المحكوم للحاكم.
ولا شك أن القرآن يدعونا بهذا إلى الاخذ بالتسامح في خلافنا السياسي، لأنه لم يصل إلى قطع ما بيننا من رابطة الايمان، ولم يؤدّ به إلى قطع أخوة الإسلام، ليمكن الوصول إلى الصلح فيه بسهولة، فإذا انتهى بالصلح لم يكن له أثر فيما يتعلق بالعقيدة الدينية، بل ينتهى بانتهائه كل أثر له، ولا يبقى منه ما يكدر ما حصل من صلح بل يرجع كل من الطائفتين إلى الاخرى كما يرجع الاخ إلى