/ صفحة 53/
وقامت ثورة سنة تسع عشرة عندنا، فكان أثرها في الأدب بالغاً كل البالغ!
كنا في صدر حياتنا العلمية نعرف من الأدب ما كان يكتبه الكاتب العظيم المرحوم السيد مصطفى لطفى المنفلوطى في صحيفة ((المؤيد)) تحت عنوان ((الأسبوعيات)) ونتهافت عليها تهافت الفراش على السراج، وندخر الملاليم من مصروفنا اليومى لنشترى ((المؤيد)) الذي ينشر ((الأسبوعية)) . ثم أخذنا نقرأ نتفاً للكاتبَيْن: عبد القادر المغربى، وكرد على المحررين في المؤيد، في صحيفتهما الصغيرة الرشيقة ((مصر الفتاة)) . إلى ما كان ينشر من شعر أمير الشعراء، وغيره من الشعراء; على أن كل أولئك، كان يدور في محيط القديم، يجلى في صور جديدة، طبعاً على كل مثقف أو طالب أزهرى، أو كالجديدة عند من يجمعون بين الثقافتين; وكنا كذلك نقرأ بعض الخطب النابغة، أو المقالات المحبرة، لبعض كبار الساسة، في الحين بعد الحين.
فلما هبت الثورة المصرية، هبت معها الخطابة، فتكاثر الخطباء، وانطلقت المواهب الفطرية، وكنت تسير في الشوارع عند ما تقوم مظاهرة، فترى خطيبا في كل منعطف، ومجموعة من الخطباء في كل ميدان، منابرهم أفاربز الشوارع، وعربات اليد والنقل.
وأخذ الشعرا ـ الذين يحملون بين جوانحهم مبادىء الثورة كالمغفور له الشيخ محمد عبد المطلب وشباب الجامعات ـ يحدون لها بالأناشيد والقصائد.
فأما غيرهم من فحول الشعراء، فاضطربوا، ووقفوا يتنظرون ويستشرفون المرشد الهادى والطريق الأمين; ثم الستناروا، فمضى كل شعب في سبيل..!
ولقد أثرت الثورة في فنون الأدب تأثيراً واضحا، فأدخلت في الخطابة ألفاظاً بديعة، وابتكرت أساليب رائعة، وأخيلة ومعانى جيادا، مما كان ينقض الزمن الطويل دون تطورها إليه، لولا حاجة الثورة إلى بذل الوسع في الاحتيال على الاستمالة والإقناع; وساعد على ذلك الاختلاط بين عنصرى الأُمة، وتناوب الخطابة، وتنوع الاتجاهات، كما ساعد عليه بعض المحامين الذين اقتضى دعوتَهم