/ صفحة 51/
إذ ليس هناك قانون مكتوب ذو مواد وبنود، والعمدة لديهم على فقه القضاء والعرف والعادة ـ والاجتهاد هو الباب الذي دخلت منه إلى حظيرة الشريعة الإسلامية كل الحضارات بما فيما من مشا كل قانونية ومالية واجتماعية، فوسعها جميعا وبسط عليها من محكم آياته وسديد قواعده ما أصاب المحجة، فكان للشريعة الإسلامية من ذلك تراث ضخم تسامى على كل الشرائع، وأحاط بكل صغيرة وكبيرة من أمور الدين والدنيا، وكفاها فخراً أن واحداً من فقهائها هو محمد بن الحسن أفتى وحده في بضع وعشرين ألف مسألة، لم يقتصر فيها على ماجد ويجد للناس في حياتهم، بل افترض المستحيلات وأفتى في شأنها مجتهداً مهتدياً بالكتاب والسنة، متخذا من أحكامها الأقيسة والدلالات، محترما لما اصطلح عليه الناس، وما جرى لهم من عرف وعادة، وللعلامة ابن عابدين مصنّف في أحكام العادة، عنوانه: ((نشر العَرْف في بناء الأحكام على العُرْف)) أورد به كثيراً من الأحكام الشرعية التي وسعها الاجتهاد فتغيّرت بتغير الزمان ولا عوج في ذلك، فمُنزّل هذه الشرعة هو الذي قال: ((ما جعل عليكم في الدين من حرج)) وقال: ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)) .
أفبعد ذلك يصح في الأفهام أن تتهم الشريعة الإسلامية بالقصور، أو بأنها إنّما تزلت لعرب الجزيرة لتعالج أمورهم في حقبة من الزمان انقضى عهدها أو أنها تضيق عن أن تجد الحلول لمشاكل الحضارات الحديثة، ارجعوا إليها والى تراثها الضخم تجدوا أنها عالجت الجليل والخطير والصغير والكبير من امور الدين والدنيا فيها ذكر ما مضى، وفيها ذكر الحاضر، وفيها ذكر المستقبل، وسيظل العلم الحديث يكشف عما فيها من كنوز، وسنرى المشاكل على العالم جيلا بعد جيل، وسيضطرب العالم في محاولة الحلول لها دون جدوى إلا إذا رجع إلى أحكام هذا الدين، وهذه الشريعة المحكمة السمحة حيث الدواء الشافي والعلاج الحاسم لكل ما يصيب العالم في حاضره وفي مستقبله ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)) ؟
للبحث بقية