/ صفحة 5/
في بعض الكتب، ولو أنصفوا لاستطاعوا أن يفرقوا بين ما هو حكم الدين قطعاً أو ظناً، وما هو رأى فيه عُهْدتُه على صاحبه.
وإذا كنا نحمد الله على ما بلغته هذه المجلة من منزلة مرموقة بين أهل العلم والرأي في كل شعب من شعوب الأُمة الإسلامية إيماناً بفكرتها، واعترافا بجهودها، ورضاء عن سلوكها; فلسنا بغافلين عن ذوى القلوب الجاحدة، والعقول الجامدة، والأقلام الشاردة، والنفَّاثين في العقد، والمصدرين عن اضغينة والحسد، ولكنا عاهدنا الله من قبلُ ألا نضيق بشيء من ذلك ولا نألم له، ولا يساورنا ضعف أو تردد حين نَظهر عليه، فانا لنعلم أن الأفكار الصالحة لا بد أن تجد شيئاً من المقاومة، ولعلها أن تشمئز منها بعض القلوب، ولو كنا حسبنا أن فكرتنا ستجد من الناس إجماعا حتى لا يشغب عليها شاغب، ولا ينعب عليها ناعب، ولا تختلف فيها موازين النقد، ومقاييس الرأي، ولاتنوشها بين ذلك سهام وسهام، لكنا عن سنة الله غافلين، أو لكان زعمنا أن هذه الأُمة في حاجة إلى إصلاح تجنيا عليها، وسوء ظن بها، فإنما هي إذن من الصلاح والنضج بحيث لا تحتاج إلى دعوة، ولا تفتقر إلى إنذار وتبشير.
فليعلم الناس إذن أننا بعَرَض استقبال عدو قبل أن نكون بعَرَض استقبال صديق، فإن الداء عصىّ، والعدوّ قوىّ، وإن أخطر الأمراض وأحقها بالعلاج ما خُيِّل للمريض أنه السلامة والصحة.
أما بعد، فمرحباً بالصديق ننصحه، وبالعدو نصلحه ((و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين، ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)) .