/ صفحة 46/
أن تتصور ذلك من أن أحد أولاد آدم (قابيل) لم يدر ما ذا يصنع بجثة أخيه بعد أن قتله ولم يستطع ذهنه أن يدبر للأمر حلا، إلى أن رأى الغراب ينبش الأرض فعلم كيف يوارى سوأة أخيه فقال ((يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخى )) .
ثم تعاقبت الشرائع السماوية في توسع، ولكن بقدر يتناسب وتقدم البشرية من عهد شيث إلى نوح إلى من تلاه من الأنبياء إلى أن جاءت شريعة موسى ثم شريعة المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) ثم الشريعة الإسلامية.
ولا شك أن جميع الشرائع السماوية متفقة في أصول العقائد، وأمهات الأخلاق والمبادىء العامة التي يصلح عليها أمر الناس، فلا خلاف بين شريعة وشريعة في ((توحيد)) مثلا لأنه هو الحقيقة الأولى في الوجود، ولا خلاف بين شريعة وشريعة في أن العدل مثلا هو أساس الحكم السليم الذي يصحبه الاستقرار والطمأنينة.
فهل يعاب على عيسى أنه قال بما قال به موسى من عقيدة التوحيد أو غيرها من العقائد الأصلية كالبعث بعد الموت، والجزاء في الآخرة، وهل يعاب على محمد أنه فعل ما فعله اخوانه من قبل في ذلك، وهل كان من الممكن أن يأتى رسول بغير ما أتى به رسول في العقائد التي هي حقائق ثابته لا تختلف باختلاف الزمان والمكان.
وإذا لم يكن هذا معيبا في العقائد فانه غير معيب كذلك في المبادىء العامة، وقواعد الأخلاق والفضائل، فإن الشرائع لابد أن تتفق في ذلك، وأن تتخذ منها الأسس الذي تنبنى عليها الأحكام وصور المعاملات الجزئية.
نعم قد تختلف هذه الأحكام وهذه الصور باختلاف الشرائع تبعا لاختلاف الزمان وتطور الناس، لكنها تتفق جميعا في أنها صادرة عن أساس واحد هو اصلاح حال المجتمع بما يتناسب واياه، وبما يلاحظ فيه استعداده ودرجة رقيه وتفكيره، ومن هنا قد تتلاقى الشرائع في بعض الأحكام والصور العملية