/ صفحة 414/
والله ما أراك تقرأ شيئاً من كتاب الله تعالى، فقال له بلى، انى لاقرأ ثم قرأ: انا بعثنا نوحاً إلى قومه، فقال له عمر: ألم أقل انك لا تقرأ: فقال ألم أقرأ؟
فقال له ان الله قال: انا أرسلنا نوحاً إلى قومه - فقال عقيل:
خذا بطن هرشى أو قفاها فأنه *** كلا جانبى هر شى لهن طريق
فطفق الحاضرون يضحكون من عجرفته، ويعجبون من نوكه وتماديه في تصويب خطئه، إذ يظن أن الفعلين المترادفين يقوم أحدهما مقام الاخر في القرآن الكريم، وهي غفلة عن خصائص القرآن لا تغفر له، وربما كان منشؤها طول اقامته في البادية وقصر مجالسته العلماء في الحضر.
وهرشى تنية في طريق مكة ولها طريقان: بطنها وقفاها (أمامها أو خلفها) فلكلا جانبيها طريق للابل.
قلت: قد رأيت هرشى مع رفقتى ((بعثة الازهر للحج عام 1368 هـ - 1949 م، فحين دنوناً منها وراعنا منظرها سأل سائل منا الحجازىّ الذي كان يصحبنا، وهو خريت خبير بالمفاوز وأعلامها، ويحس بشوقنا إلى الوقوف على آثار العرب، ولاسيما الواردة في شعرهم ونثرهم عما سنقدم عليه ونلجه حسب التجاه السيارة، فقال الحجازى: تلك هرشى، فتذكرنا هذا البيت وتدارسناه.
ثم اجتازت بنا السيارة بطن هرشى بعد نزول كثير من الصحاب اتقاء للخطر في صعودها ونزولها، وأبدينا للحجازى رغبتنا في التلبيث قليلا بالسيارة لنملاء العيون من هذا الاثر المضروب به المثل في البيت، ولنرى أن البطن والقفا طريقان للابل يسلك الراكب ما شاء منهما كما حكم الشاعر - وانه لحكم العارف طابق فيه الخبر الخبر - غادرنا هرشى، وسارت السيارة صوب المدينة المنورة، وحظينا بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعند قفولنا رأينا هرشى ثانية، ويطول في الحديث إذا ما عرضت لكثير من المواطن الإسلامية التي وقفنا عليها في مكة والمدينة ومابينهما، مع اعترافي بأنى في كلمتى هذه التي اقتضتها هرشى قد نزعت في غير القوس، ونأيت عن الهدف، وأضعت وقتاً فيه الاستماع لما تقوله أحب إلى من كلامي