/ صفحة 324/
له العاملون بما يقطع دابره، وهو خطر الفتنة التى راح أبوسفيان يحضاً نارها بين علىّ والعباس، وبين بنى هاشم وسائر بطون قريش، يعد قوماً بنصرة بنى أمية ونصرة قريش من ورائها، ويوسوس لقوم آخرين بمثل هذا الوعد أو بمثل هذا الوعيد، وما كان من همه أن ينصف بنى هاشم ولا أن يؤيد الانصار، وإنّما أراد الوقيعة التى يخذلهم بها جميعاً ويخرج منها بالسيادة الاولى التى كانت له على قريش فى الجاهلية.
وما من شك فى خطر هذه الفتنة من أبي سفيان ولا فى خطر تلك الفتنة من سقيفة بنى ساعدة، فانحسمت الفتنة بانعقاد البيعة لأبي بكر، ولم يطلبها، بل كان مشتغلا بدفن الرسول، ودعى إلى السقيفة مرتين وهو لا يعلم فيم يدعى ويعتذر باشتغاله ويغضب لدعوته، حتى هم عمر بمبايعة أبي عبيدة بن الجراح قبل أن ينشعب الجمع فى السقيفة بين الخزرج والاوس والانصار والمهاجرين، وقبل أن تنجح المسعاة من أبي سفيان فى خفائها، وقد كاد أن يعلها.
* * *
وكان على فى تلك الساعة العصيبة إلى جوار الجسمان الطاهر المسجى فى حجرته فدخل عليه أبوسفيان قائلا: ((يأبا الحسن! هذا محمد قد مضى إلى ربه، وهذا تراثه لم يخرج عنكم، فابسط يدك أبايعك!))
ويقول عمه العباس: ((يابن أخى. هذا شيخ قريش قد أقبل، فامدد يدك أبايعك ويبايعك معى. فانّا ان بايعناك لم يختلف عليك أحد من بنى عبد مناف وإذا بايعك عبد مناف لم يختلف عليك قرشى، وإذا بايعتك قريش لم يختلف عليك بعدها أحد من العرب)) .
فيجيبه على: ((لا والله يا عم! انى لاكره أن أبايع من وراء رتاج)) .
ولقد كان أحكم فى جوابه هذا من شيخ الدهاة من بنى هاشم، وشيخ الدهاة من بنى أمية، فما للخلافة معدى عنه ان كانت ولاية عهد يعلمها جميع المسلمين، وما للبيعة هناك جدوى ان تمت وراء رتاج، وانشقت بعد ما عصا المبايعين والمعارضين.