/ صفحة 311/
فقد استطرد فى حاشيته على شرح جمع الجوامع فى أصول الفقه عند الكلام على مسألة الخلاء إلى ذكر ما شاهده من طلائع الحضارة الاوربية فقال: ان مسألة الخلاء ومسألة اثبات الميل فى الاجسام من مسائل العلم الطبيعى، وبتحقيقهما يظهر للفطن أسرار غريبة، وعليها ينبنى كثير من مسائل جر الاثقال، وعلم الحيل واختراع الالات العجيبة، وقد عربت كتب فى زماننا من كتب الفرنجة، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقه، اطلعنا على بعضها، وقد استخرجت تلك الاعمال بواسطة الاصول الهندسية والعلوم الطبيعية، وفى تلك الكتب تكلم القوم فى الصناعات الحربية، والالات النارية، ومهدوا فيها قواعد وأصولا، حتى صار ذلك علما مستقلا ذا فروع كثيرة، ومن سمت به همته إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، ظهرت له حقائق كثيرة من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته ان كانت سليم فى رياض الفهوم، فلا تجعل سعيك لغير الحصول على الكمالات العرفانية مصروفاً، ولا تتخذ غير نفائس الكتب أليفاً ألوفا:
ولا تك من قوم يديمون سعيهم *** لتحصيل أنواع المآكل والشرب
فهذى إذا عدت طباع بهائم *** وشتان ما بين البهيم وذى اللب
وهذه نفثة مصدور، ولله عاقبة الأُمور، لعمرى لقد تساوى الفطن، والابله الافن، واستنسر البغاث، وسدّ طريق النظر على الناظر البحاث، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
ولله ما أروع ذلك الموقف الكريم من شيخنا العطار، ولكنه نبه فلم يجد مستيقظاً، بل وجد الأُمور تجرى على ما كانت تجرى عليه، فيتساوى الفطن والابله الافن، ويستنسر البغاث، ويسدّ الطريق على الناظر البحاث، فينفثها نفثة مصدور، ويرسلها شكوى أليمة، ويصف حاله فى موضع آخر بما قاله ابن الجوزى فى مجلس وعظه ببغداد.
ما فى الديار أخو وجد نطارحه *** حديث نجد ولا خل نجاريه
ولا يزال من يقف ييننا موقف شيخنا العطار يلاقي ما لاقاه، ولا حول ولا قوة الا بالله.