/ صفحة 31/
لقد كان الناس قبل بعثة هذا الرسول الكريم يتخبطون في ظلمات الجهل والتعصب لغير الحق، ويتقلبون في أودية الفساد والشر، ويكتوون بنيران الظلم والغى، لا ألفة تجمعهم، ولا سلطان يردعهم، ولا نظام بعتصمون بحبله، ولا عدل بفي ئون إلى ظله، شريعتهم القوة، ورائدهم الشهوة، والههم الهوى، ظلمات بعضها فوق بعض ((و من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور))
فلما تأذن ربنا الرحمن لينقذنهم من أنفسهم وأهوائهم، وما ارتطموا فيه من حمأة الشرك والرذيلة والفساد والشر، بعث فيهم هذا النبي الأمى الذي يومن بالله وكلماته فأخرجهم به من الظلمات إلى النور، وهداهم صراطه المستقيم، ووجه قلوبهم وأعمالهم إلى الخير والصلاح والتعاون على البر والتقوى، وأعلمهم أنه خاتم النبيين، ورسوله إلى الناس أجمعين، لا يختص به جنس من الناس انى رسول الله اليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت)) . ((و ما أرسلناك الا كافة للناس بشيراً ونذيراً)) وأنزل عليه كتاباً عزيزاً ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)) ربط به الفلاح في الدنيا والآخرة، وجعله الهدى والشفاء لمن آمن (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادَوْن من مكان بعيد)) .
وبهذا كان نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الرحمة المهداة والنور المبين، وكان الكتاب الذي أنزل عليه من ربه هو العصمة والحبل المتين.
ولقد أتى على المسلمين حين من الدهر كانوا فيه عاملين بشريعتهم، معتصمين بكتاب ربهم، سائرين على سنة رسولهم، فكانت لهم القوة والمنعة، وكانوا أعزة بعزة الايمان، ترفرف عليهم أعلام السعادة والطمأنينة، وتنظر إليهم الأمم نظرة المهابة والتجلة، ولا يفكر أحد في الاعتداء عليهم، ولا يطمع طامع في أن يهتضم حقا من حقوقهم، بل فتحت أمامهم الآفاق، وكانوا يغزون القلوب والأفكار بعدلهم ومبادئهم، قبل أن يغزوا البلاد والديار بسيوفهم وكتابهم.