/ صفحة 302/
بينهما فى المعنى، وبعيد أن يجمع الشاعر بينهما متصلين كرواية الجاحظ، على أن الجاحظ نفسه يفيد ذلك، إذ أنه بعدئذ ذكر الابيات الثلاثة مقتصراً عليها مرتين: مرة فى الجزء الثانى من البيان، وأخرى فى الجزء الثالث منه، وأغفل فى المرتين كلتيهما الرابع(1). ولم يعرض فى المرات الثلاث إلى نسبة الابيات لقائلها، وليس لترك الرابع فى المرتين من تفسير الا نبّو الرابع فى نظره عن الابيات الثلاثة. وربما يقال: أما كان الاحرى بالجاحظ أن يتلافى ما فرط منه فى الجزء الأول فيعمد إلى حذف الرابع من الابيات حتى لا يحدث ما عرض من نقد عليه، لأنه يجاب عنه أنه كان مجدوداً فى مصنفاته، إذ بمجرد تدوينها تتناولها الايدى وتسير بها الركبان، فلا يستطيع تدارك ما ندّ عنه وقت تأليفه، ومن ذلك على سبيل التمثيل أنه فى الجزء الأول أيضاً من البيان والتبين عند الحديث على استطراف اللحن فى الاعراب من النساء فى الكلام استشهد بأبيات مالك بن أسماء بن خارجة الفزارى فى بعض نسائه.
أمغطىّ منى على بصرى للحـ *** بّ أم أنت أكمل الناس حسنا
وحديث الذه، هو مما *** ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق رائع وتلحن أحيا *** نا وخير الحديث ما كان لحنا(2)
فقال له علي بن يحيى المنجم مثلك فى علمك ومقدارك من الادب تقول يستحسن من المرأة أن تكون غير فصيحة، وأن يعترى منطقها اللحن فى الاعراب، ليس الأمر كذلك، وإنّما وصفها مالك بالظرف والفطنة، وأنها تورى فى لفظها عن أشياء، قال الجاحظ قد فطنت لذلك بعد، فقال له فغيره وأصلحه، قال كيف لى بما سارت به الركبان، وفى رواية الآن، وقد صار الكتاب فى الافاق.
وممن تبع الجاحظ فى هذا الوهم ابن قتيبة، فذكر فى مقدمة كتابه (عيون الاخبار) عدم استغراب اللحن فى النوادر حتى لا تذهب طلاوتها لمثل ما قال مالك بن أسماء.
ــــــــــ
(1) ج 2 ص 197، ج 3 ص 255.
(2) ح 1 ص 135 (الطبعة الثانية فى الكل)