/ صفحة 228/
وصنف يأخذ سبيله إلى هذه الوجوه هونا في غير تكالب ولا اغراق ولا نسيان لاشرف جانبى الإنسان روحه التى كان بها شبيها بعالم الملائكة، فتراه ينظر إلى الامال والرغاب نظرة قاصدة فلا يجعلها هي الحياة كل الحياة، ولا يحسب فوتها الموت أو شراً من الموت، ولذلك يملكها ولا تملكه، ويسخرها ولا تسخره، ويرضاها ما رضيته، فإذا احتواه شيء منها لم يكن به ضنينا، ولا على استبقائه حريصا، ذلك أنه لم يتشبث به على أنه بضعة من حياته، أو عنصر من مقوّماته، ولكنه أخذه اخذ العوارى التى لا تلبث أن يستردها أصحابها، وهل في العقل أن يحزن المرء أو يجد مرارة اللوعة إذا استرد منه ما استعار إلى أجل محدود؟
هذان الصنفان على طرفي نقيض، وبينهما أوساط ودرجات، وأساسهما السماحة وضدها وإن اختلفت الاسماء في مواطن الاخلاق والافعال، فإن كان ذلك في المال سمى سخاوة أو شحا، وان كان في الشهوات سمى عفة أو شرهاً، وإن كان في موطن الاحتمال والمناضلة، سمى صبرا أو هلعا، وإن كان في مجال الطاعة أو العصيان سمى تقى أو فجورا، وهكذا.
فما الجود بالمال الا تصوير صادق لحالة نفسية في صاحبه نعلم منه أن المال لم يمتزج بروحه امتزاج شيئين اختلطا وتركبا، حتى يصعب انفصال أحدهما عن الآخر، ولكنهما اتصلا، ويسهل أن ينفصلا، فانفصالهما بيسر هو السماحة.
وصاحب الشهوة الذي ينصرف عنها التماسا لكمال نفسه، أو احتراما لبيئته ومجتمعه، أو نزولا على أمر ربه، إنّما صدر في ذلك عن ملكة السماحة، لأنه سمح بما يملك أن يمسك به، ولا ينزل عنه.
وما الصبر الا علامة على أن ما فاتك من الخير، أو أصابك من الشر، لم يخرج عن نطاق ما تستطيعه، وتسمح به.
وقل مثل هذا في أضداد هذه الاشياء، فالشح لا يصدر الا عن نفس كزّة