/ صفحة 143/
من تردد تردى:
التردد والتردى من مادة في اللغة واحدة. تكرر تضعيف الدال فاعتلت. وما أشد الصلة بين التضعيف والعلة. وهما في الاعمال قريبان، وفي الشدائد حليفان. وقديماً قيل:
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن ترددا
الإنسان يفكر ويدبر، ويعد عدته، فإذا تهيأت الاسباب عزم فمضى فبلغ غايته. فإن فكر فلم يجزم، ولبث ككفتى الميزان بين الخفة والرجحان; لم يتجاوز الفكر إلى الفعل.
وان جزم، ثم ثقلت عليه الكلفة، وبعدت الشقة، فبقى يرنو إلى المقصود مشتاقا، وينظر إلى الوسيلة اشفاقاً، تبلد بين الاقدام والاحجام، ولم يتلبث له الزمان.
وان فكر وقدر، وأعد ودبر، وتردد بين يومه وغده، وتعجيله وتأجيله، فهو حرى أن تفوته الفرصة، فتعقبه غصة.
وجماع هذا الأمر قول القرآن الكريم: ((و شاورهم في الأمر)) فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين)) والتوكل في لغة الإسلام أن تستمد من الله القوة والقدرة، وتطمح إلى الغاية لا تبالى بعد المسافات، واعتراض العقبات، كأنك نجم في حباكه أو قمر في أفلاكه، لايقف ولا يبطىء، ولا يصده شيء.
ألا ان قوام كل أمر، فكر وجزم، وهمة وعزم. وليس بعد هؤلاة الا سبل مذللة، وغاية مكتسبة، وصلة المقدمات والنتايج، والغايات والوسائل. وآفة الأُمور عقل قائم، وفكر غير جازم، وهمة كليلة، وعزيمة عليلة، وتردد ينقص كل فكر، ويحل كل عزم، ويعطل المقدمات، ويحول بين الوسائل والغايات.
* * *
العافية:
كلمة جامعة محبوبة مباركة، من ظفر بها فقد ظفر بالحظ الاوفر، بها يطيب كل شيء لمن ذكرها وقدرها، ويهون كل ماعداها. في قصص الحجاج أنه دعا