/ صفحة 50 /
ومع هذا وضع الله تعالى أدباً كريماً للجدال بيننا وبينهم، يقف به عند حد الجدال المقبول، ولا يدخل به في باب المهائرة والخصومة، لأن الإسلام لم يأت ليثير خصومة بين الناس، وإنما أتى لإرشادهم بالتى هي أحسن، وإذا كان هذا هو شأن الجدال فيما بيننا وبين عباد الأوثان، فما أحراه بأن يكون هذا شأنه فيما بين فوق المسلمين، لأن الخلاف فيما بينهم قريب الحدود، ولا يبلغ درجة الخلاف بينهم وبين عباد الأوثان.
وقد ورد أدب الجدال فيما بيننا وبين عباد الأوثان في الآية - 108 - من سورة الأنعام: "و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون، وقد قيل في سبب نزول هذه الآية: إن المسلمين كانوا يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسبوا لربهم، فإنهم قوم جهلة لا علم لهم الله.
وقيل إنه لما نزل قوله تعالى في الآية - 98 - من سورة الأنبياء: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وشتمها لنهجون إلهك، فنزلت تلك الآية. والحق أن قريشاً قد خفى عليها الفرق بين نقد القرآن لعبادتها لآلهتها وبين شتمها، فعدت نقد القرآن ونقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبادتها لآلهتها شتما لها، وهددت بشتم الله إذا استمر ما تراه شتما لها في زعمها، وقد خفى هذا الفرق أيضا على كثير من المفسرين، حتى قال الفخر الرازى في تفسير الآية: لقائل أن يقول إن شتم الأصنام من أصول الطاعات، فكيف يحسن من الله تعالى أن ينهى عنه؟ والجواب أن هذا الشتم وإن كان طاعة إلا أنه إذا هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله وشتم رسوله، وعلى فتح باب السفاهة، وعلى تنفسير هم عن قبول الدين، وإدخال الغيظ والغظب في قلوبهم، فلكونه مستلزما لهذه المنكرات وقع النهى عنه.