/ صفحة 386/
وختم كلامه قائلا: (فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نفتات دونكم بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور).
ويظهر أن حزب الأنصار قد بلغ فيه الانقاسم أشده، وأحس سعد بن عبادة والحباب بن المنذر بهزيمة رأيهما بعد أن بان ميل الأكثرية في حزبهما إلى التسليم بحجة حزب المهاجرين فنهض الحباب فقال بلهجة الحانق المشفق:
(يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تسنعون، فلا تختلفوا فيفد عليكم رأيكم، وتقطعوا أموركم، أنتم أهل الإيواء، واليكم كانت الهجرة ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم، والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم).
وأنهى الحباب كلامه بهذا المقطع:
(فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر، وإن أبي القوم فمنا أمير ومنهم أمير).
وإذ لم يأت الحباب بجديد وانتهى إلى هذا الرأي الهزيل الذي يجعل أمر المسلمين إلى دولتين، انتهزها عمر الخطاب فرصة مناسبة للإجهاز على رأي المعارضة فنهض وقال:
(هيهات، لا يجمع سيفان في غمد واحد إنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم وفيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولى هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، وأولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خلفنا من العرب الحجة الظاهرة والسطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشرته، إلا متعد بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة).