/ صفحة 341/
لذة الأمن بعد الخوف، فلعل نفوساً تكدرت أن تصفو، ولعل قلوباً تحجرت أن تلين، وكثيراً ما تنبعث الحروب في طريقها عناداً واستكباراً، حتى إذا هيئت الفريقين هدنة كانت هي الخاتمة لعهد الشقاء والبلاء، والفاتحة لعهد المودة والصفاء (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم).
* * *
وشهر (المحرم) يأتي في أعقاب موسم الحج، فترى الناس يستقبلون فيه وفود البيت الحرام فرحين مستبشرين بما أفاء الله عليهم من نعمة وفضل حيث يسر لهم زيارة بيته، وأداء ركن من أركان دينه.
والمؤمن الصادق يشعر بسعادة كبرى عقب انتهائه من أداء هذه الفريضة، لانه يحقق بها نوعا من التطهر النفسي، فيتخلص ـ إذا أخلص ـ من أوزار كثيرة، ويعود وقد أغترف من بحار الفضل، وتزود من موائد الإحسان.
وللناس في هذه الفريضة فوائد، ولعل من أهمها أن يتعارفوا، ويلتقي المتباعدون منهم، فيعلم المصري أن له أخا فارسيا، ويعلم العراقي أن له أخا أفغانيا أو باكستانيا، ويرى اليمني أخاه الشامي أو السيامي، وهكذا فإن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
* * *
ويذكرنا شهر المحرم مع هذا كله بحادث جلل، وخطب عظيم أصاب الإسلام في عهده الأول، وثلم فيه ثلمة لم يزل أهله يئون منها أنين الثكالي إلى اليوم، ذلك هو حادث مقتل الإمام الشهيد ابن فاطمة البتول، أبي عبد الله الحسين عليه وعلى جده وآله الصلاة والسلام.
إن الحسين الشهيد هو مثل المجاهدين في سبيل الله: رأى الحق مهضوما مهيض الجناح، قد أحاط به الباطل فلم يترك له سبيلاً، ورأى نفسه , وهو فرع تلك الدوحة الشريفة؛ وابن ذلك الإمام الغضنفر الذي لم يطأطئ رأسه قط من خوف ولا مذلة ـ رأى نفسه مطالباً بأن يكشف هذه الغمم، ويزيل تلك الغياهب،