/ صفحة 521 /
ولقد فطن الأجانب والمستشرقون لهذا الأمر وما يرمى إليه من توطيد وتركيز لوحدة الشعور ولدوام الإخاء، لا يحول دون ذلك حواجز جغرافية، ولا تحجبه موانع سياسية.
وفي هذا الصدد أذكر أنني طلبت من أحد المستشرقين الانجليز حينما كنت وزيراً للمعارف أن يلقي بعض المحاضرات على طلاب الجامعة، فاختار من بينها موضوع (تأثير اللغة العربية في البلاد الإسلامية) ولاحظ أن المسلمين جميعاً الناطقين منهم باللغة العربية أو المتكلمين بلغت أُخرى كالإيرانيين والأفغانيين والهنود والصينيين، إنما يؤدون فرائض دينهم، ومراسيم أعيادهم، وجميع أحكام عباداتهم وشعائرهم في وقت واحد، متجهين إلى قبلة واحدة، يؤدونها بلغة واحدة، وهي اللغة العربية لغة القرآن الكريم كما قدمنا، مما يجعل التماسك بينهم والتضامن والوحدة مأمونة مكفولة، بينما أهل المذهب الواحد من المسيحيين يؤدونها بلغاتهم المختلفة، فيؤدي الإيطالي فرائض دينه باللغة الإيطالية، والفرنسي بالفرنسية، والإنجليزي بالإنجليزية، لإن للحواجز الجغرافية والأوضاع السياسية آثاراً عنيفة تحول دون جعل وحدة الشعور قائمة بارزة.
ولقد استرى نظري من حيث تحقق مؤدي هذه الآية الكريمة: (إنما المؤمنون إخوة) شواهد عديدة وحوادث تواردت وتوالت يدركها كل مؤمن حينما يحل ببلاده غريب عن دياره من إخوانه المسلمين أو هو يؤم ديارهم.
فمنذ عهد بعيد بينما كنت مديراً للغربية سمعت بقدوم عالم صيني إلى طنطا، فشعرت بحافز يحفزني للقائه فاستضفته، وعلمت ان سبب قدومه لمصر سعيه في إتقان اللغة العربية بالأزهر الشريف، لأنه يؤمن بضرورة تعلمها لرجال الدين الصينيين من أهل بلده، حتى يستطيعوا فهم أحكام القرآن الكريم، ويبلغوا رسالة الإسلام للمسلمين ولإحسان القيام بفرائض الدين.
وحنيما لقيته لمحت أنه يشعر بأن ليس بيني وبينه حجاب، فأفاض في القول بصراحة المؤمن الذي يسعى لخير المؤمنين، وأشاد بفضل الأزهر، ورأيت تجاوباً