/ صفحة 227 /
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
(الاخوة في العلم) وشيجة كريمة يعتز بها العلماء كما يعتز أهل الدين (بالاخوة في الدين)، وهي شبيهة بالأخوة في النسب، فكما أن الأخوين من النسب يمتان إلى أصل واحد في وجودهما وكيانهما، ويختلفان مع ذلك في الملامح ومقومات الشخصية، فترى كلاً منهما يمتاز عن أخيه في ذلك بما يجعله غيره والآن كان الأصل واحداً؛ كذلك العلماء يصدرون في أساس تفكيرهم، وأصول علمهم، عن ابوة واحدة، ثم يختلفون بعد ذلك في ملامح هذا التفكير، ومقومات شخصيته، حتى يكون أحدهم (غيرا) وإن كان المنبت واحداً، ولذلك لا يقطع (الأخوة العلمية) في الواقع تعارض فكرتين، أو اختلاف نظريتين، ما دام لكل من المختلفَين أو المتعارضَين مَدرك إلى أصله وأبوته، إنما يضرها ويقطعها أن يكون التخالف أو التعارض مبنياً على أصل غير مشترك، ونسب مدخول، فان الأمر حينئذ لا يعدو أن يكون أخوة في ظاهر الأمر لا في حقيقته وأن يكون من المتآخيَين مَن هو ظنين في نسبه.
وعلماء الإسلام متفقون اتفاقاً صادقاً على أصول معينة لا يختلفون فيها، ولا يحيدون عنها. أصول عليا جاء بها الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وقواعد الشريعة المحكمة، فهذه الأصول هي نسبهم العلمي الأول الذي يشتركون فيه، هي أبوتهم الجامعة لهم، وإن بعد بينهم الشبه، أو اختلفت في أفرادهم ملامح الشخصية، ومظاهر الفردية. وإن شئت فقل، إن علماء الإسلام ثابتو النسب إلى أب مشترك، فكلهم عن رسول الله ملتمس، ومن نور الكتاب الكريم مقتبس، ولهم أصول راسخة اتفقت عليها كلمتهم، وارتبطت بها عقولهم، وجالت في دائرتها