/ صفحة 175 /
من المسلمين جميعاً ومسمع، فضلاً عمن أنزلت عليه، فلا وجه لجعل مثل هذا الإجتهاد مصدر تشريع بين المسلمين، لذلك قيد الإمامية الإجتهاد بمصادر لا تخرج عن دائرة الكتاب والسنة. وفي ذلك غنى وكفاية.
رسالة الإسلام
من المعلوم أن النص على مصارف الزكاة في الآية لا يدل على وجوب وجودها جميعاً واستمرارها في كل زمان، ولكن إذا وجدت هذه الأصناف الثمانية، كان لكل منها نصيبه من الزكاة، وإذا وجد بعضها كان هو المستحق، وليس على الإمام ولا المؤمنين أن يعملوا على إبقاء الأصناف الثمانية بحيث لا ينقرض منهم صنف، بل ليس ذلك في قدرتهم.
إذا تبين هذا، فالقضية التي قضي فيها عمر رضي الله عنه، ليست هي حرمان المؤلفة قلوبهم مع وجودهم، ولكن هي عدم الإعتراف بوجودهم وجوداً معتبراً فيه هذا الوصف الذي هو التأليف، إذا التأليف فعل مصلحي يقدر الإمام الحاجة إليه فيفعله، أو عدم الحاجة إليه فيتركه، فإذا فعله كان ذلك منه اعترافاً بوجود هذا الصنف من المستحقين، وكان عليه أن يعطيهم حقهم ونصيبهم في الزكاة، وإذا لم يفعله لأنه لم ير داعياً إلى فعله كان ذلك منه حكماً بعدم وجود هذا الصنف فيئول نصيبه إلى باقي الأصناف، وهذا ما أراده عمر، فهو لم يحرم قوماً نص القرآن على إعطائهم حتى يقال إنه نسخ حكماً قرآنياً وإنما أعلن الأمة أنه ليس فيها على عهده من يسمى (مؤلفاً قلبه) لأن التأليف لا يكون إلا حيث يشعر الإمام بحاجة الإسلام إليه ولا حاجة الآن في نظره، فليس هناك تأليف، ومن ثم فليس هناك مؤلفة قلوبهم.
ويوضح ذلك أنه لا يوجد الآن رق، فالصنف الخامس من الأصناف التي نصت عليها الآية (وفي الرقاب) غير موجود، فلا يقال إن الإمام الذي حكم بمنع الرق فامتنع تبعاً لذلك اعطاء أحد نصيباً من الزكاة باسم الرق ـ قد نسخ حكماً قرآنياً بإعطاء مستحق، وإنما الأمر أمر انعدام صنف من الأصناف، فإذا أراد أحد أن يناقش عمر في حاجة الإسلام إلى التأليف حينذاك أو عدم حاجته إليه، فهذا موضوع آخر هو محل الإجتهاد ولا علاقة له بموضع النص.