/ صفحة 167 /
الآداب والعلوم العقلية
أو
صلة الأدب بالفلسفة
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الجواد رمضان
أستاذ الأدب العربي في كلية اللغة العربية
ـ 2 ـ
ومهما تختلف أنظار العلماء في تصوير الصلة بين الأدب والفلسفة، فإنها تلتقي في أن القلب مصدر الآداب، وأن العقل أبرز مصادر الفلسفة، وقطبها الذي تنحدر عنه مذهبها واتجاهاتها؛ ولقد تآخى الأدب والفلسفة في القديم والحديث، تآخياً شبيهاً بالتمازج والاختلاط، فسرت في شعاب الفلسفة نفحة من نفحات الأدب، عطرت من آفاقها، ورققت من حواشيها، وأغرت العقول بالضرب في فجاجها، والعروج إلى أبراجها؛ وتسللت في أعطاف الأدب سبحات من روح الفلسفة، ألفت فيه بين الحقيقة والخيال، ووفقت بين الجلال والجمال.
ومرد ذلك التآخي، إلى أن كثيراً من الفلاسفة كانوا أدباء، فصاغوا نظراتهم الفلسفية في عبارات بليغة، جمعت بين العمق الفلسفي، والأسلوب الأدبي؛ وأشهرهم في ذلك افلاطون، فقد كان في كتبه أديباً فناناً، أسلوبه مملوء بالاستعارات والقصص والخيال، وكثيراً ما أتعب ذلك الأسلوب الباحثين بعده، لحيرتهم فيما يريده، هل هو الحقيقة أو المجاز? يقول ابن النديم: (إن افلاطون كان في قديم أمره يميل إلى الشعر، فأخذ منه بحظ عظيم، ثم حضر مجلس سقراط فرآه يثلب الشعر، فتركه، ثم انتقل إلى قول فيثا غورس في الأشياء المعقولة (1)
ــــــــــ
(1) الفهرست ص343.