/ صفحة 158 /
وعدم الحرج، مثل قاعدة الحل والطهارة، ومحصلها أن يحكم الفقيه بطهارة كل شيء وحليته حتى يثبت العكس بالنص الشرعي على النجاسة والتحريم، فمدعي النجاسة والتحريم عليه الإثبات، والقائل بالحل والطهارة لا يطلب منه الدليل لموافقة قوله للشرع والعقل، كل شيء طاهر حتى تعلم نجاسته، وكل شيء حلال حتى يعلم أنه حرام، إذن لا يجبر الإنسان على أداء شيء أو تركه إلا مع الدليل الشرعي (1)، وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (إن الله سكت عن أشياء، لم يسكت عنها نسياناً لها، فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم).
قاعدة المصالح والمفاسد:
ومن القواعد التي ترجع إلى عدم الحرج قاعدة المصالح والمفاسد التي قال بها الشيعة والمعتزلة، وتتلخص في أن الله أمر بالفعل لمصلحة فيه تعود على فاعله، ونهى عنه لمفسدة كذلك، لا أن الفعل يصبح صالحاً لأن الله أمر به وفاسداً لأنه نهى عنه، بل أمر به الله تعالى لأن صالح بالذات، ونهى عنه لأنه قبيح بالذات (2).
ويتفرع على ذلك أنه يجوز للإنسان ـ إذا أضطرته الظروف ـ أن يفعل، ويترك ما نص الكتاب والسنة على وجوبه وتحريمه، ولا يعد ذلك مخالفة منه للشريعة، بل عمل بالشريعة نفسها، على شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها، فيكتفي المضطر بما يدفع عنه الضرورة والضيق، وبارتفاع الضرورة يرتفع المسوغ الشرعي والعقلي، ويبقى الشيء على حكمه الأول، ويكون التعدي بغياً وعدواناً (فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه). (فمن اضطر في مخمصة غير

ــــــــــ
(1) كتاب فلسفة التشريع للدكتور المحمصاني طبعة ثانية ص 134، نقلا عن كتاب الإشباه للسيوطي، من السنة، والكتاب المعروف بالرسائل باب البراءة للشيخ الأنصاري من الشيعة.
(2) كتاب شرح التجريد للعلامة الحلي، ص185 طبع العرفان.