/ صفحة 371/
هذه الحرب الدينية، وتبين لهم أن ارتداد المؤمن عن دينه وخروجه من الدنيا وقد كفر بعد ايمانه، يحبط عمله في الأولى والآخرة، ويحل عليه غضب الله، وعذاب النار.
* * *
ليس بعد هذا التحذير الشديد الذي جاء به كتاب الله عزوجل مجال لتحذير، وإنّما نحب أن ننبه قومنا إلى أن الحروب الصليبية التي صرنا إليها الآن، وهي حروب الفتنة والزلزلة ليست بأهون من الحروب الصليبية في صورتها الأولى، صورة الاغارة على بلاد المسلمين وتقتيل أبنائهم، واقتطاع أراضيهم، وسلب أموالهم كما كانوا يفعلون على عهد صلاح الدين، وقبل عهد صلاح الدين، ليست الحروب الحديثة الباردة بأهون من الحروب القديمة الحامية، بل انها في الحقيقة أخطر وأشد بلاء على الإسلام والمسلمين، فان العدو الذي يأتى عدوه مجاهراً مكاشفاً يمكن أن يتقى أو يقاوم، وقد جرت عادة الناس أن يهتموا به، ويدبروا له ويعملوا على الخلاص من شره، أما العدو المداهن المخاتل الذي يظهر الود، ويلبس ثوب الصديق الناصح، فهذا هو العدو الألد الذي يعمل عمله في صمت ومثابرة ودهاء، ومثل هذا العدولا يراه ولا يحس به العامة من الناس، وإنّما يعرفه ويحس به خاصتهم وقادتهم وهم المسئولون عن درء شره، بالتنبيه إلى فتنته وخدعته.
وها نحن أولاء، نرى الغربيين يحتالون في حربنا، ويلتمسون الوسائل التي يبدون فيها أمامنا كما يبدو الاصدقاء، ويسيرون في هذا على الأسلوب العلمي الذي يعتمد على الدرس والبحث.
ونستطيع أن نضرب المثل لذلك بما نرى من شدة اهتمامهم بفرض ثقافتهم وأفكارهم علينا، وأنهم قد استطاعوا أن يزينوا ذلك لنا حتى اندفعنا إلى تحقيق أغراضهم فيه، فنحن في الحقيقة مهبط لوحيهم، نترك أفكارنا لأفكارهم، ونميت أنظمتنا لنحيى أنظمتهم، ونتحمس لما يرد علينا من جانبهم أكثر مما يتحمسون.