/ صفحة 344/
في ظل تشريع قوى عادل مبنى على مقتضيات الطبيعة الانسانية، مجرد من تحكيم الاهواء والشهوات، وان الاستقرار الخارجي أساسه احتفاظ الأمة بشخصيتها والاستعداد لمقاومة الشر الذي يطرأ عليها والعدو الذي يطمع فيها، وقلنا ان سورة النساء قد تكفلت بوضع أسس الاحكام التي تصلح بها هذه النواحي، وبها يتحقق استقرار الأمة داخليا وخارجيا. وانها في سبيل ذلك عرضت إلى الموضوعات الآتية: الاسرة، المال، أساس الجماعة الإسلامية، مصادر التشريع، تقوية العنصر الروحي في القلوب، ألوان التمرد على التشريع، مكافحة الآراء والشبه الضارة بالعقيدة، الاستعداد بالقوة المادية لحماية الحق ورد غائلة الطامعين.
وعرضنا لما تضمنته السورة من المبادىء التي أراد الله أن يحكم بها بناء الاسرة ويشيده عليها، ونتابع سيرنا في بيان سائر النواحي التي عرضت لها السورة الكريمة، والتي أشرنا إليها.
* * *
أحكام المال:
عنيت السورة في ناحية المال بوضع أحكام من شأنها إذا روعيت وطبقت حق التطبيق استقرت الحياة، وهدأت النفوس، واطمأنت القلوب وانصرف كل عامل إلى عمله والقيام بواجبه، وانتفع كل ذي حق بحقه، وعنى كل ذي شأن بشانه.
عناية القرآن باليتامى في أنفسهم وأموالهم:
بدأت في هذا الشأن بأموال اليتامى، وللقرآن الكريم عناية خاصة باليتيم لصغره وعجزه عن القيام بمصالحه التي تحفظ له حسن الحياة في المستقبل، وتقى الأمة شر الضرر الذي يحيق بها من عدم تربيته لفقده الأب الذي يكفله ويهذبه ويرعاه.
وقد ظهرت هذه العناية في القرآن منذ الفترة الأولى حين بدأ الوحي إلى الفترة الأخيرة حين قارب الوحي التمام والكمال: ظهرت في مكي القرآن حينما عاد الوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد انقطاعه مدة طال فيها على الرسول