/ صفحة 24 /
والمسلمون ـ مع الأسف الشديد ـ في هذا الموضع منذ زمن طويل، فقلما نجد منهم من يؤثر الله ورسوله على شيء من متاعه الفاني ولو كان زهيداً، ولذلك كانت حالهم هي تلك الحال التي تسر العدو، وتسوء الصديق.
والسبيل إلى إصلاح هذه الحال أن يتعاون أهل العلم والرأي في كل شعب على تعليم المسلمين دينهم تعلما نافعاً، وأن يظهروهم على ما في هذا الدين من محاسن ويقنعوهم بما يكفله لأهله من سعادة وقوة، وينفوا عنهم ما أدخل عليهم من خرافات وأوهام كان الركون إليها سبب ضعفهم واستكانتهم.
ولا شك أن على الأزهر في ذلك أكبر قسط، فإنه الجامعة الدينية التي تهوى إليها أفئدة المسلمين من كل صوب، والتي تضم طلابا من مختلف أجناسهم نفروا إليها ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وقد أخذتُ على عاتقي، وشرعت ـ والله المستعان ـ في توجيه هذه الجامعة الكبرى إلى ذلك توجيهاً عملياً صالحاً، أرجوان يكون مبارك الثمرات على الإسلام والمسلمين إن شاء الله.
وسوف لا أدخر وسعاً في مد المسلين داخل الأزهر وخارجه بعلماء صالحين مصلحين يكونون رسل الثقافة الإسلامية الصحيحة حيثما حلوا، وأساة الأرواح والقلوب أينما سلكوا، حتى نربى أمة جديدة شبيهة بالأمة الأولى التي فتح الله بها مشارق الأرض ومغاربها.
وإذا كنت أعلن ما اعتزمته وبدأته في ذلك، وأدعو إليه أبنائي الأزهريين أن يأخذوه بقوة، فإني أدعو كذلك سائر أهل العلم في مختلف الشعوب والطوائف الإسلامية أن يقوموا بما عليهم في ذلك، وأن يبثوا الدعوة للدين والعلم به في أقطارهم، ويحثوا على الأخذ بها أبناء وطنهم، حتى يكون الإصلاح عاما، والتوجيه كاملا.
* * *
أما الأمر الثاني، وهو أمر الاتحاد وائتلاف القلوب، والغض عن كل ما يثير الأحقاد، وينكأ الجروح، فذلك أمر له فائدته الكبرى في التعجيل بالقضاء على الضعف، والتفرغ لما ينفع المسلمين ويصلح شأنهم.