/ صفحة 228 /
ولم يخص بها أرضا دون أرض، فلهذه الأمة أرضها الخصيبة، وللأخرى مناجمها الحديدية أو الذهبية، وللثالثة بترولها أو فحمها أو ما شاء الله من خير، فإذا حاولت أمة أن تحوز لنفسها كل خيرات الأرض أو جلها فهى أمة أثرة خارجة على الطبيعة متمردة على أمر الله، وإذا فرطت أمة فيما وهبها الله فأقطعته غيرها أو نزلت عن منافعه فقد رفضت هبة ربها وبطرت نعمته، ولن يكون في العالم سعادة وهناءة حتى يكون فيه توازن وتعاون، ولن يكون التوازن والتعاون الا إذا احترم التوزيع الالهى، ووجهت القوى إلى تبادل منافعه، لا إلى اغتصابه أوانتزاعه، وليست جريمة المغتصب في هذا بأكبر من جريمة المفرط، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
* * *
هناك أنواع أخرى من "التأميم" يجدر بالعالم الإسلامي أن ينشدها ويفيد منها، فليست هبات الله قاصرة على الثروات المادية التي أودعها الأرض، ولكن له هبات وراء ذلك، ولعل بعضها أسمى وأغلى من الثروات الطبيعية، فنحن مثلا معاشر المسلمين قد أوتينا القرآن والشريعة الإسلامية، وفيهما كنوز لو أثرناها لكان لنا في العالم مقام محمود، ولأدينا الأمانة الغالية التي عهد الله الينا بها من هداية العالم إلى الصراط المستقيم، ولكننا نترك هذه الثروة التي خصنا الله بما كما تُترك الكنوز في بطن الأرض يأتى عليها الاهمال أو النسيان، ونفتح آفاقنا لأفكار غيرنا وتشريع غيرنا، فيكون لأصحابها السيادة علينا والتحكم فينا، وما من شعب من شعوب الأمة الاسلامة في وقتنا الحاضر الا وهو يحكم بشريعة غير شريعة القرآن، ونحن أمة القرآن!.
ان التفريط في هذه الشريعة تفريط في مورد من موارد عظمتنا وعزتنا، وان التسليم فيه للذين غزوا عقولنا ونظمنا لايقل خطراَ عن التسليم في آبار البترول للذين غزوا ثرواتنا، فلنحرص على تأميم تشريعنا كما نحرص على تأميم بترولنا.