/ صفحة 207 /
الكريم قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) لأنه تربية الله الذي اصطفاه، وأدبه فاحسن تأديبه، وإنك لتجد في كل آية من القرآن دعوة، إلى أصل من أصول الخلق الحسن، وتجد كل مبدأ إسلامي يرشدك إلى نمط مكارم الأخلاق ولقد كان جواب العربي لمن يسأله عن دعوة محمد هوانه يدعو إلى الخير كله! وإنك لتجد القرآن رائعاً جد الروعة، عند ما يعلن أن مهمة محمد عليه الصلاة والسلام، مهمة أخلاقية أولا، وهي تزكية النفوس وتطهيرها من أدران الفساد وأوزار الوثنية، اقرأ: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة). (لقد من الله المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصلّ عليهم. إن صلاتك سكن لهم). وتبلغ هذه الروعة أقصى غاياتها، عندما يُرجع القرآن الكريم نجاح محمد عليه الصلاة والسلام في دعوته إلى مسألة أخلاقية (فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، وافهم ما شئت بعد ذلك مهمة القرآن الكريم من قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)!.
وكما يمتاز الإسلام في العقيدة ونمط العبادة، يمتاز أيضاً في تشريعاته للمعاملات الإنسانية كلها عن جميع التشريعات القديمة والحديثة بمميزات أظهرها وأجلاها، ما اتفق عليه المنصفون الذين قارنوا الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني، من أن التشريع الإسلامي يمتاز بعنصر أخلاقي، له صفة الإلزام في كلياته وجزئياته، من شأنه أن يحمل المكلف على الامتثال والتنفيذ للأوامر والنواهي، من غير تردد في الفعل أو الترك، لأنه يقوم بما يقوم به، على أنه دين لازم يتعبده الله به، ومن واجب المؤمن أن يستجيب لله الذي يأمر بكل جميل، ولا يأمر بالفحشاء، لا على أنه قانون بشرى يخضع للجدل في سبيل اظهار وجه الخير والمصلحة فيه.