/ صفحه 47/
وأن يمتد إلى أكثر من ذلك امتدادا لا ينتهي إلى الحدود التي يصطلح عليها لهذا كانت فكرة الإسلام في الوطن وفي تحديده بالحدود التي ينتهي عندها سلطان الإسلام فكرة مستقيمة لا يجا فيها الواقع ولا المنطق، فبها يتسع، وفي سعته قوته ومنعته وعظمته وووفرة ثروته، وقدررته على دفع العدوان، ورد الأطماع، ومحق الطغيان، وما عهدنا بما فعلته روسيا في الحرب الأخيرة ببعيد، فقد كانت سعة وطنها أول عامل في انتصارها في هذه الحرب، كما كانت سبب انتصارها يوم غزاها نابليون منذ قرن أو يزيد، وبها تقوي الجامعة وتشتد الرابطة لقيامها عندئذ على عدة روابط تعاضد هذه الرابطة مثل رابطة الدين ورابطة الثقافة ورابطة الشريعة ورابطة الحكومة والسلطان، وإذا انحصر الوطن وضاق ففي ذلك ضعفه وضآلته وسبب توجه الأطماع إليه والسيطرة عليه.
على أن فكرة الجامعه الوطنية في ذاتها لا تصلح في جميع الأحوال لتكوين أمة متحدة متآلفة، فقد كان العرب قبل الإسلام يستوطنون موطنا واحدا هو جريزة العرب التي حبتها الطيعة بحدود وفواصل طبيعية تفصلها عن غيرها من البلاد، ثم لم يؤلف بينهم هذا الوطن، بل كانوا على الرغم من تجاوره ووحدة جنسيتهم قبائل متعادية منتباغضة، تكثر بينه المنازعات واملمناحرات حتى أصبحوا فريسة للحروب والترات والفتن، وكذلك كانت يثرب بلدا واحدا عجر عن أن يجعل من أهله وسكانه - الإوس والخرج واليهود - جماعة مؤتلفة متحابة، بل ظلوا حياتهم متباغضين متخاذلين متقاتلين، حتى كانت لهم في العرب أيام حروب معروفة أشرها يوم بعاث، ثم ما زال ذلك أمرهم حتى وحدهم الإسلام، فجعل منهم جماعة متحابة متآخية كان لها السيطرة على جميع بلاد العرب.
ولكن الذي إتاح لهذه الفكرة الوطنية، تلك القوة هو ما صادفته من ظروف جعلتها تحتل المكان الأول في الوجود والاجتماع والسياسة، ومن هذه الظورف حادث الثورة الفرنسية، وما تقرر فيه من الحقوق الوطنية، والأماني القومية، من حرية الأوطان واستقلالها، وأن الملوك والأمراء وجدوا فيها مأربهم في تحقيق