/ صفحه 249/
الله هو أنفعهم للناس، ليتسابقوا إلى الجهاد في سبيل الخير الاجتماعى حتى يوجد شعب يستعد كل فرد من أفراده للتضحية بمصالحه الشخصية في سبيل المصلحة الاجتماعية.
أوجب الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، لا ليطهر قلوب الأفراد ويزكيها فحسب، بل ليهيء مع ذلك للمسلمين فرصا اجتماعية للخير والبر والتراحم ويجعلهم يلتقون كل يوم وليلة لتتأكد عرى الروابط بينهم، ويلتقون كل عام في مكة المكرمة، ويكونون مؤتمرا إسلاميايتداولون فيه شئونهم ويتدبرون أمورهم، ويقررون ما فيه خير هم وصلاحهم، حتى ينهضوا إخوة متأزرين متصافين متحابين كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ونادى بأن الناس سواء لا فرق بين هاشمى وغير هاشمي، بين عربى وغير عربي، بين أبيض وغير أبيض، بين شريف ووضيع، بين هذا وذاك، فالكل سواء في الإنسانية، والكل سواء أمام القانون، والكل سواء أمام الله، لا يتميزون إلا بالتقوى والعمل الصالح.
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ووجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" ولا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوي.
أرأيت خيراً من هذا نورا ينبثق من بين أمة جاهلة متناحرة، تجعل الناس طبقات بعضها فوق بعض، وتتفاخر بالأحساب والأنساب، والقوة والعصبية فينادى بأن الناس سواسية، لا يتفلتون ولا يتفاضلون، إلا بما يقدمون للمجتمع من جلائل الأعمال؟.
ذلك النور هو محمد بن عبدالله الذي لم يثلق هذا السمو عن أحد من أهله وذويه، أو عن البيئات التي كانت تعاصره وتجاوره، ولكنه تلقاه عن الوحى الأمين الذي لا ينطق عن الهوي، فهو نور إلهى يهدى الإنسانية إلى أرقى ما يهدف إليه الإنسان الكريم.
ص 250
كفل محمد للمرأة حريتها واحتفظ لها بإنسانيتها، ولم يجعلها متاعا، بل إنسانا يتمتع بما يتمتع به كل إنسان من حقوق، فلها أن تملك المنقول والعقار ماشاء لها حق التملك، ولها أن تبيع، وأن تهب، وأن توصى وتقاضى كما تريد، ولها حق الإرشاد، ولها حق التعليم، ولا ينقص حق من هذه الحقوق بزواجها، فهى تحتفظ بما لها، مستقلة عن مال زوجها، كما لها أن تتصرف فيه كما تشاء، وأن توكل عنها من تشاء، دون أن يكون لزوجها سلطان عليها في ذلك كله.
نهض بالإنسان إلى مكانة عليا، فاحترم عقله وإرادته وحريته، وتركه حراً من غير أن يكرهه على أن يعتق هذا الدين أو ذلك الدين "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
ولم يشرع الحرب أداة لإلزام الناس أن يكونوا مؤمنين، بل دفاعا عن النفس والعقيدة، وتأمينا لطريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة "و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". "لا ينها كم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".
والنظر إلى خطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) الخالدة تجد فيها ينهى عن حرب التخريب والشدة، ويحرم حرب الاستصئصال، فكان يقول في وصاياه: لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخرب ولا تمثل، ولا تقتل أصحاب الصوامع، أى المعتكفين على العبادة من غير أهل دين الإسلام، إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي، التي تبين بوضوح أنها لم تكن أن يتركوا الأبواب مفتحة في سبيل دعوة رشيدة تتبع خير الطرق وأسلها.
ارتفع بالعلم والعلماء في عصر الجهلاء والجهالة.
فجاء في القرآن الكريم:
"قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب".