/ صفحه 130/
وكان من أهم ما اغتبطتُ له، واستبشرت خيرا به، أن هذه الجماعة قد أخذت على عاتقها تبصير المسلمين بحقيقة دينهم، وأن تجلى لهم أصوله ومبادئه وعلومه حتى يعرفوه، فإنهم إذا عرفوه عشِقوه، وأذا عشقوه لم يؤثروا عليه شيئا، ولم يدخروا في سبيل نصرته وسعا، فيصلح الله به أمر آخرهم، كما أصلح به أمر أولهم.
***
لقد خالطت بشاشة الإيمان قلوب المسلمين الأولين، فاستبسلوا في نصرة الحق وشرَوْا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، وخاضوا بإيمانهم كل مخاض، حتى زلزلوا وبسطوا لواء العدل والأمن على عالم كان قبلهم مضطرباً يسوده البغى والخوف، وكانت هيبتهم تسبقهم، وتعاليمهم القوية الواضحة تعزو القلوب قبل أن يغزوا البلاد، وما كان هذا الإيمان الذي جعل الله به من بعد ضعف قوة، ومن بعد ذل عزة، إلا أثراً من آثار العلم الصحيح، والمعرفة الواضحة، وقد فطن لذلك أعداء الإسلام حيث تتبعوا أمر المسلمين فعلموا أن تمسكهم بدينهم، وإقبالهم على التضيحة في سبيله بكل مرتخص وغال، هو سر قوتهم، ومبعث هيبتهم، فكان لابد لهم أن يعرفوا المسلمين عن دينهم، وأن يدخلوا عليهم الوهن من قبل التفريط فيه، والتخلى عنه، لكنهم لم يستطيعوا أن يأتوا إلى ذلك واضحين، فعمدوا إلى الحيلة والخديعة، فكان من ذلك أنهم دسوا على الدين في غفلة المسلمين ما ليس منه، فشوهوا جماله، بالأ كاذيب تارة، وبالبدع تارة، وبإثارة أسباب للخلاف مصطنعة بين الطوائف الإسلامية أحيانا، وكان من ذلك أنهم قاوموا التعليم الدينى بشتى الوسائل، فضيقوا على أهله، وأغروا بينهم الهداوات، وحاربوا الكفايات، ونصروا الجهالات، وأغدقوا المال والنعيم والجاه على كل من جرى في سبيلهم، وأعانهم على إثمهم، وكان من ذلك أنهم أحلوا القوانين الوضعية محل الشريعة في البلاد الإسلامية، واجتلبوا تلك القوانين من بلاد الغرب كما هى دون أن يراعوا أخلاق البلاد وتقاليدها، فأباحوا الخمور والربا والمعاملات المحرمة، وخذلوا الفضيلة،