/ صفحه 57/
لفتاواهم في أرض الاقطاع من حيث جواز إجارتها أو وقفها أو بيعها أثر بالغ في كبح جماع المماليك، وما كانوا ينوونه في هذه الناحية، وهم كانوا في الواقع أداة عاطلة من حيث الإنتاج، وكل ما كان في مكنتهم هو الاستيلاء على الاراضي بإذن السلطان على النظام الذي كان سائداً، والذي شرحه صاحب صبح الأعشى، وصاحب كتاب قوانين الدواوين والتحفة السنية في الأراضي المصرية، ثم يدفعون الأرض للملتزم وللتيماري، وفي ثنايا هذا الالتزام كم كان يرتكب من مظالم وتعسفات، وقد نص الحنفية على أن أغلب أوقاف الممالك إقطاعات يجعلونها مشتراة صورة من بيت المال وهي ليست وقفا حقيقة بل هي إرصاد، وكان للإمام النووي، وللعز بن عبد السلام مواقف مشهورة سجلت لهم في التاريخ صفحات من الفخار وقفوا فيها من الأمراء مواقف ظاهرهم فيها العامة فاستطاعوا أن يوقفوا العدوان عند الغاية التي لا تضر بالثروة العامة، ولا تحمل على الطبقة الفقيرة أثقالا فوق ما كان ظهرها ينوء به من أثقال، وهم كما أسلفنا ما كانوا يعتبرون هذا الاقطاع في الأراضي إقطاعها صحيحاً يملك كما كان يظن المماليك وإنما هو نوع من الإجازة والأرض لا تزال لبيت المال، وقد ذكر الإمام السيوطي في رسالة النقل المستور في قبض المعلوم من غير حضور، إفتاء جميع علماء عصره بذلك، ورتبوا على ذلك آثارا كثيرة يمكن مراجعتها في كتاب: تنقيح الحامدية في كتاب الوقف.
وما من شك في أن هذا النظام الاقطاعي الذي كان يلزم المقطع بتقديم نوع خاص من الخدمة والذي كان من أجله يلجأ للعسف والاضطهاد ترك في نفوس الطبقات الفقيرة آثاراً بالغة ما كانوا يجدون مداواة لجرحها إلا على يد الفقهاء، وقد كان لبعضهم منزلة ممتازة خضع لها سلاطين المماليك كما كان من شأن عزالدين بن عبد السلام مع برقوق، وكان بعض الفقهاء يلجأ أحيانا إلى أن يكون قاضياً عرفياً يسرى حكمه على المتخاصمين، وقد ذكر ذلك السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة عزالدين الحنبلي، إذ قال في سياقها ما نصه: (وصار يقضي فيما يقصد به في بيته مجاناً ثم تركه جملة).