/ صفحه 43/
بالسؤال عن حكم لبس الخاتم والساعة والنظارة وكثير من الاسئلة التي شغلتهم عن التفكير في حكمة الإحرام والانتفاع بما فيه من عبرة وخيل إلىَّ أن كثيراً من الحجاج يحسبون هذا الاحرام مقصوداً لذاته وليس وسيلة إلى معنى ورحي وتهذيب نفسي، وأنهم يقصدون إلى المبالغة في الشكليات. وقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس، قال: (انطلق النبي (صلى الله عليه وسلم) من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شئ من الأرديه والازر تلبس، إلا المزعفرة التي تردع (1) على الجلد) وفي الطواف شاهدت أن أكثر الطائفين يقودهم المطوفون ويرددون تبعاً لهم كثيراً من الأدعية المحفوظة المكررة المرددة. ومن الطائفين من لا يفهمون لها معنى، ويرددون ألفاظها في ضجيج وعجيج لا يتفق وتكريم الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس، ولا يتفق والخشوع والخضوع والضراعة التي يجب ان يكون عليها التائب لله والراجع إلى الله. وشاهدت أن كثيراً من الطائفين يكثرون من تكرير الطواف ليلاً ونهاراً، مع أن رسول الله ما طاف في حجة الوداع إلا ثلاث مرات طواف القدوم حين قدم. وطواف الإفاضة حين أفاض من عرفات، وطواف الوداع حين أراد العودة إلى المدينة، وفي شدة الزدحام حول الكعبة، وكثيرة الجلبة والضوضاء في المطاف لا يتاح للحاج أن يقف أمام هذا البيت المبارك وقفة الذكر والاعتبار، وأن يستعرض ما مرت به من قرون ومن طافوا به من موحدين ووثنيين من حين بناه إبراهيم وإسماعيل إلى السنة الثانية للهجرة حين فتح المسلمون مكة، ووقف رسول الله أمام الكعبة والأصنام منصوبة حولها وفوقها، وهو يضرب بطرف رمحه وجوهها وعيونها، ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) ولاحظت أن أكثر الحجاج يشقون على أنفسهم ويحسبون الأخذ بالأشق هو الأحوط، مع أن رسول الله ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وقال: (خذوا من الأعمال بما تطيقون)، وقال: (يسرا لا تعسرا) فمن ذلك أن بعض أئمة المسلمين ذهب إلى أن رمي الجمرات في يومي الرمي يجوز قبل الزوال
*(هوامش)*
(1) تردع على الجلد: أي تترك أثراً فيه.