/ صفحه 395/
بأسره فرصنا واجباً، إذ العقوبة لا تستحق إلا بترك واجب، وليس حفظ جميع القرآن كذلك، ثم ذكر أن ابن قتيبة أخطأ من حيث ظن أن العقوبة لا تكون إلا في محل الذنب، وهذا القول يوجب عليه أن لا يجلد ظهر الزاني، وتختص العقوبة بفرجه، وكذلك القاذف كان يجب أن يعاقب في لسانه دون سائر أعضائه.
قال: " والخبر الذي استشهد به حجة عليه، لأنا نعلم أن اللسان أقوى حظا في باب الكلام من الشفة، فلم لم يخص بالعقوبة وحلت بالشفاه دونه ؟ ثم غلطه في تأويل الاية التي اوردها أقبح من كل ما تقدم، لأنه توهم أن ما تضمنته الاية من تخبط آكل الربا، وتعثره في القيام، إنما هو في الدنيا من حيث يثقل ما أ كله في معدته فيمنعه من النهوض، ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك، ونجد كثيرا من آكلي الربا أخف نهوضا، وأسرع قياما وتصرفا، من غيرهم ممن لم يأكل الربا قط، والمعنى في الاية هو ما ذكره المفسرون من أن ما وصفهم الله به يكون عند قيامهم من قبورهم، فيلحقهم العثار والزلل والتخبط على سبيل العقوبة لهم، وليكون ذلك أيضاً أمارة لمن يعاقبهم من الملائكة والخزنة على الفرق بين الولي والعدو، ومستحق الجنة ومستحق النار ".
2 ـ ومن ذلك ما ذكره في المجلس الثاني من تفسير قوله تعالى " والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون " فقد أورد ما ذكره أبو مسلم بن محمد بن بحر الأصبهاني إذ يقول: " إنما خص الموزون دون المكيل بالذكر لوجهين: أحدهما أن غاية المكيل تنتهي إلى الوزن، لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت في باب الوزن، وخرجت عن باب الكيل، فكان الوزن أعم من الكيل، والوجه الأخر: أن في الوزن معنى الكيل، لأن الوزن هو طلب مساواة الشئ بالشئ، ومقايسته إليه وتعديله به، وهذا المعنى ثابت في الكيل، وخص الوزن بالذكر لاشتماله على معنى الكيل ".
وهكذا نرى أن الرجل يذهب إلى معنى الوزن والكيل في الموزونات والمكيلات، كأن الله يمنُّ على عباده بأنه أنبت لهم ما يوزن أو يكال، ولذلك