/ صفحه 354/
فيه، فمنهم من منعه، ومنهم من أجازه، وهو الحق نظرا إلى ما وقع عليه إجماع الصحابة من تسيوغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة، ولم ينقل عن أحد من السلف الحجر في ذلك، ولو كان ممتنعا لما جاز من الصحابة إهماله.
وإذا عين العامي مذهباً معيناً كمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو غيره، وقال أنا على مذهبه وملتزم له، فهل له الرجوع الى قول غيره في مسالة من المسائل ؟ اختلفوا فيه فجوزه قوم ومنعه آخرون، والمختار التفصيل، وهو أن كل مسألة من مذهب الأول اتصل بها عمله فليس له تقليد الغير فيها، وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غير فيها.
وفي التحرير وشرحه: لا يرجع المقلد فيها قلد فيه، أي عمل به، اتفاقا. ذكره الآمدي، قال الزركشي: وليس الأمر كما قال، في كلام غيره ما يقتضي وجود الخلاف بعد الفعل، وكيف يمتنع ذلك عليه إذا اعتقد صحته، وعلى هذا فإذا تعارض قولا مجتهدين يجب التحري فيهما، والعمل بما يقع في قلبه أن الصواب وليس له الرجوع عما عمل به إلا إذا ظهر له خطؤه.
ولو التزم مذهبا معيناً فقيل يلزم وقيل لا، وهو الأصح، لأن التزامه غير ملزم، إذ لا واجب الا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجبالله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده في دينه في كل ما يأتي ويذر دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة على عدم القول بذلك، وصرح العلائي بأن المشهور في كتب المذهب جواز الانتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهب إمامه الذي يقلده إذا لم يكن ذلك على وجه التتبع للرخص.
وفي التحرير وشرحه نقل الإمام في البرهان إجماع المحققين على منع تقليد العوام أعيان الصحابة، وأن عليهم أن يقلدوا الائمة الذين جاءوا بعد الصحابة، لأنهم دونوا وهذبوا وفصلوا وبوبوا وأوضحوا طرق النظر، وعلى هذا بنى ابن الصلاح وجوب تقليد الائمة الاربعة لانضباط مذاهبهم وتحرير شروطها، وغير ذلك مما لم يعلم مثله في غيرهم، وحاصل هذا أنه امتنع تقليد غيرهم لتعذر