/ صفحه 343/
والعقيدة، وما كان الله ليرضى عن الطعن والتجريح لرأي رآه الناظر في موضوع وضعه الله موضع النظر والاجتهاد.
وبعد فلنا أن نختار في معنى المتشابه ذلك الرأي الذي يرجع إلى اختلاف الدلالة واحتمال المعاني المختلفة في آيات الاحكام، أو آيات المعارف على النحو الذي أشرنا إليه، ولنا أن نختار رأي الخلف من المتكلمين الذين يصرفون اللفظ عن ظاهره إلى معنى يليق بجلال الله وتنزيهه، وعلى هذا وذاك يبقى لنا ما قلناه من أنه ليس في القرآن ما استأثر الله بعلمه سوى فواتح السور.
على أن بين المتشابه في رأي المفوضين، وبين فواتح السور فرقا كبيراً، ذلك أن المتشابه ورد في قضايا ذات محمول وموضوع وإثبات ونفي، ومفردات تلك القضايا لها دلالات حقيقية معروفة لارباب اللغة، وقد تستعمل في معان مجازية تصرف إليها بالقرائن، ولا كذلك فواتح السور التي هي أحرف مقطعة، ليست قضايا ذات موضوع ومحمول، وليس مفردات ذات معان مفيدة على نحو " استوى " في قوله: " الرحمن على العرش استوى " مثلا، وقد جاءت هذه القضايا أوصافا لله، واعتقد الجميع ثبوت محمولها لموضوعها، على وجه يقضي به الايمان، ولا كذلك ايضا فواتح السور التي نتحدث عنها.
ولعل القارئ بعد هذا كله يستطيع ان يتلمس ما يزيل الشبهة التي أشرنا إليها في صدر هذا الاستطراد.
ونعود بعد هذا إلى موضوعنا فنقول:
وكم ان هذه الحروف من حيث معانيها المرادة لله سر استأثر بعلمه، فان في الاتيان بها على هذا الترتيب الذي جاءت به، وتنوعت به فواتح السور، وفي اختيار بعض الحروف دون بعض، وهو صنع الحكيم الخبير الذي لا يضع امرا على محض المصادفة، لسرا آخر تقصر دون إدراكه العقول.
ولعل من الخير للناس بعد الذي قررناه في هذا المقام ان يوفروا على أنفسهم.