/ صفحه 290/
المؤرخ السني إذا كان قد عاصر مثلا بعض الطوائف التي انتسبت إلى الشيعة، من هذه التي ذكرها المؤرخ الشيعي الجليل أبو الحسن النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) فقد ذكر عشرات من الفرق ونسب إليها مقالات غريبة عجيبة علق عليها هو، ووصف اصحابها في كثير من الأحيان بالكفر، قد يكون هذا ـ سيما والعصر العباسي الاخير عَصرْتُهَم، وتنابز بالباطل، خفت فيه صوت الدين، وهبط الوازع الديني عند الحاكمين والمحكومين ومعظم العلماء السلطانيين ـ وقد يعذر الشيعي بتعصب أمثال الإمام الهيثمي السني.
أما المحدثون من كتّاب التاريخ فما عذرهم، وقد تحرر العلم من سطوة الحكام وانقشعت السحب، وبادت معظم الفرق المغالية، ولم يبق الان تقريباً غير السنة والشيعة، إلا انهم إذا اخذوا عن الأقدمين دون ضبط وتثبت، فلست أفهم لهم عذاراً إلا إذا رجعوا إلى مكتبات المخالفين، واستجلوا آراء علمائهم في كل ما يتعلق بالسياسة أو أصول الدين.
ولا شك أن دراسة التاريخ الإسلامي ـ سيما تاريخ صدر الإسلام ـ على هذا المنهج التعصبي الذي لا يقوم على أسس صحيحة هنا وهناك، يسمم أفكار النابتة، ويربي البغض في نفوس المتعلمين لمخالفيهم في الرأي. بغضاً يستند إلى الدين فيقر في النفس ما قر فيها الدين، بينما هم يبغضون مستعمري بلادهم المخالفين لهم في اصل الدين وجرثومته، والجنس واللغة، بغضاً توحى به اعتبارات وطنية، وسرعان ما يزول بزوال الاستعمار، وقد تنبه المستعمرون إلى هذا فأذكوا نيران الخلف بين طوائف المسلمين، وباعدوا فيما بينها بعداً قطع كل الصلات.
لست ادري كيف استقام هذا المنهج قديماً وحديثاً، في الوقت الذي نجد فيه سلوك الأئمة الاخيار من رجالات الإسلام يرفضه ويناقضه، فقد ساد بينهم التعاون على البر والتقوى، ونشر كلمة الله في ربوع الأرض دون تنابز أو اتهام، فهل لدى إنسان أن مسلماً منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى الآن طعن في دين سعد بن عبادة لخلافه لأبي بكر وعمر ؟ أم لأن عقب سعد لم يكن في كثرة نسل