/ صفحه 280/
مسألة أن مخالفيهم أرجح دليلا، أنهم لا يأنفون من الأخذ بقولهم، والانصياع إلى الحق، فإن الرجوع إلى الحق اولى من التمادي في الباطل، وهم في هذا يقتفون أثر الائمة المجتهدين في تعاليمهم، فقد ورد عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: (إذا قلت قولا يخالف قول رسول الله، فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول رسول الله) أو كما قال، وقد روي عن كل امام من الأئمة ما يقارب هذا الكلام في أن قولهم إذا خالف شيئاً من كلام الرسول يجب رفضه، واتباع ما ورد عن الرسول.
وإن تعجب فعجب من أمة واحدة هذا قول أئمتها، وهي تدين بدين واحد وتعبد رباً واحداً، وتتبع نبياً واحداً، وتهتدي بكتاب واحد، ثم يكون بينها هذا التفاوت العظيم، وتتسع الشقّة بين فرقها هذا الاتساع الشاسع، مع أن دينها دين الفطرة الذي لا تعقيد فيه ولا غموض، وكتابها واضح وقد تكفل الله بحفظه وصيانته من التغيير والتبديل.
ولكن هذا مصداق ما ورد عن الرسول من أن هذه الأمة (ستتبع سنن من كان قبلها من الأمم حذو القذة بالقذة) إلا أن علينا أن نسعى جهدنا في تقليل الخلاف، وأن يكون رائدنا الحق نتبعه أيا كان مصدره.
والطريق الوحيد الذي تصلح به هذه الأمة هو الرجوع إلى كتاب الله، والى ما صح من سنة رسوله (فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) فهل لنا أن نرجع إلى أصل ديننا، وأن نستقي أوامره من مناهله العذبة سقط الشنيعة وراءنا ظهرياً، وأن ننظر إلى حقائق الأمور دون ظواهرها، وأن نعرف الحق لأنه حق بالبرهان، لا لأنه قول فلان أو فلان وأن نعرف الباطل لأنه باطل بالبرهان لا لأنه قول فلان أو فلان ؟!
نرجو ذلك ونسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين، وان يوحد صفوفهم وأهدافهم إنه على ما يشاء قدير.