/ صفحه 255/
فهذه الصيحة بالعلم كانت لا تجد لها صدى الا لدى أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) في بلاد العرب، التي كانت لا تمت إلى مصادر العلم بسبب، وقد أثمرت ثمرتها قال العلامة (دريبر) المدرس بجامعة (هارفارد) بالولايات المتحدة الامريكية في كتابه: (المنازعة بين العلم والدين):
" إن اشتغال المسلمين بالعلم يتصل بأول عهدهم باحتلال الاسكندرية سنة 638 أي بعد وفاة محمد بست سنين، ولم يمض عليهم بعد ذلك قرنان حتى استأنسوا بجميع الكتب العلمية اليوناينة، وقدروها قدرها الصحيح، الخ ". وأنت خبير أن المسلمين انتهت إليهم بعد ذينك القرنين زعامة العلم وفي العالم كله، وكانت مدنهم في اسيا وأوروبا مثابة للأمم كافة يقصدها مريدو الاستفادة من سائر بلاد العالم، فيشركونهم فيما حصلوا عليه من أنوار المعارف، ليخرجوا بلادهم الأوروبية من ظلمات الجهل، وقد شهد علماء أوروبا وفلاسفتها أن بلادهم مدينة للمسلمين بعلومها وفلسفاتها وصنائعها، وهي شهادة تؤيدها الاسانيد التاريخية، والكتب المترجمة عن العربية التي لا تزال ماثلة في مكاتباتهم، والتي لا يزال بعضها يدرس في جامعاتهم إلى اليوم.
ليس غرضنا هنا ان نبين مدى تأثير العلوم التي أقام دولتها المسلمون في مدنية اوروبا، وإنما مقصدنا أن نجلي الفطرة العلوية للشخصية المحمدية التي اصطفاها قيم الوجود للقيام بخاتمة الأديان الالهية.
إني أستطيع ان أؤكد ـ وعهدة هذا التأكيد على ـ أن العلم لم يجد داعياً إليه، ومحببا فيه، في جميع بلاد العالم من أول عهد الناس به إلى يومنا هذا مثل ما وجده في محمد (صلى الله عليه وسلم). ذلك لأنه أدرك لسمو فطرته، أن العاطفة الدينية المجردة في العلم، قد تستجيب لباطل مموه، وقد تصبو لهوى مزخرف، وقد يدعوها حب البحث إلى الخوض في الشئون العلوية، فتتردى في مهاوي الضلالات وتجمد عليها، وأنت خبير أن الأديان السابقة على الإسلام قد خرجت بتحريف الجاهلين عن صُرُطها القيمة، بل استحالت إلى وثنية بحتة، ويريد الحق أن