/ صفحه 248/
بلغ مداه في عهد السلطان سليم الأول حتى كان من اضطهاده للشيعة في مملكته أن قتل وسجن ما يقرب من أربعين الفاً، ولكن من الخطأ تحميل الدين جرائر السياسة بدليل أن كثيراً من هذه الخصومات السياسية حدثت بين أمم إسلامية مختلفة تعتنق عقيدة واحدة سنية أو شيعية، وإنما كان الخلاف بينها على السلطان وسعة الحكم ونحو ذلك.
ولسنا ننكر أن كثيراً مما حدث في التاريخ من اضطهاد المسلمين للنصارى واليهود، كان ناشئاً عن كراهية دينية وغيرة اسلامية، ولكنها كانت غيرة عمياء من بعض من أصيبوا بضيق النظر، وفهم الدين فهماً خاطئاً أو كان رداً لما يبلغهم عن اضطهاد المسيحيين للمسلمين، فيضطرون أن يعاملوهم معاملة المثل جزاء وفاقاً، ولكن من الظلم أن نحمل الدين الإسلامي هذه الاخطاء ايضا.
وأحيانا كان يكون السبب في اضطهاد المسلمين لليهود والنصارى سبباً اقتصادياً فكثيراً ما كان يحدث، أن تولي الحكومات الإسلامية بعض اليهود والنصارى زمام الامور المالية في الدولة فيسرفون في تعيين أقاربهم وأصهارهم في الوظائف المالية كما يسرفون في بذل المال لهم، وبعد قليل ينظر المسلمون فيرون أن الغنى والترف، وحياة الفخفخة، والأبهة والعظمة، في جانب اليهود والنصارى، وحياة البؤس والفقر في جانب المسلمين، فيثور ثائرهم، ويحطمون هذا الوضع الاقتصادي الظالم، كما حدث ذلك في العهد الفاطمي. وقد كانت الدولة العثمانية في أول أمرها من أكثر الدول تسامحاً لرعاياها من اليهود والنصارى، ومنحتهم من الامتيازات، ما لم يعهد له نظير في الدول الاخرى، ولكن انقلبت هذه الامتيازات، معاول لهدم الدولة العثمانية، واتخذت الدول الأجنبية من روسيا وانجلترا وفرنسا وغيرها، هذه الامتيازات التي لرعاياها وسيلة لنشر الدسائس وتدبير المؤامرات، وخلق الفتن، فاضطرت الدولة بعد إلى استعمال كثير من العنف دفاعاً عن كيانها، ومواجهة لنقض الدسائس التي تحاك حولها وكل هذا سياسة لا دين.