/ صفحه 225 /
هذا صنيعهما، وبذلك يتبين أنهما توافقا على أن الآيات مسوقة لبيان حكم تشريعي لا لبيان حادث تاريخي. لكننا إذا نظرنا إلى النص في هذه الآيات وما ذُيل به الكلام من قوله تعالى: " قلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون. ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " وجدنا هذا النص إن لم يمنع من الحمل على إرادة الحكم التشريعي فلا أقل من أن يبعده إبعاداً، ذلك بأن كلمة " اضربوه " واضحة في أن يضرب المقتول ببعض البقرة المذبوحة، وليس في الكلام اشارة تتعلق بالقاتل الخفي ولا إشارة إلى غسل أيدي أهل الحي من دماء البقرة، وقوله تعالى " كذلك يحيي الله الموتى " يدل على أن الاحياء المشبه به ـ وهو الاحياء في هذا المقام ـ إحياء حقيقي بعد موت تسلب فيه الروح، وليس إحياء حكميا يحصل بمعرفة القاتل والاقتصاص منه حتى يكون بمثابة " ولكم في القصاص حياة " كما يريد الشيخان، ولو كان الأمر كما يقرران لما صح تفرير إيحاء الموتى للبعث والجزاء بهذا النوع من الاحياء الحكمي المجازي، ولو أن قائلا قال: إن الله يحيي النفوس الجاهلة بالعلم، وكذلك يحيي الموتى من قبورهم لما كان مثل هذا التشبيه والقياس سائغا. وإن قوله تعالى " ويريكم آياته " لواضح في الارادة البصرية للآيات الكونية لا في الارادة العقلية للأحكام الشرعية حتى يكون من قبيل (لتحكم بين الناس بما أراك الله) وإن قوله بعد ذلك " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " ليدل على أنهم رأوا حالة مادية من شأنها أ ن تؤثر في النفوس ومن شأن القلوب أن ترق لها وأن تتجرد من القسوة والعناد عندها. ومع ذلك لقد قسوا واشتدت قسوتهم وكانت قلوبهم كالحجارة أو أشد، وكل هذا لا يتفق وما يريده الشيخان من حمل الآية على المعنى التشريعي، فهذا الحمل تأويل منهما ولكنه تأويل لا تساعد عليه اللغة وما هو المعهود من كلام العرب.
هذا أحد المناهج التي عرفناها للناس في فهم القصص القرآني، وهو " صرف الكلام عن مدلوله اللغوي إلى معنى آخر دون ما يدعو إلى هذا التأويل ".