/ صفحه 219/
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
تجتاز الشعوب الإسلامية في هذا العصر مرحلة من ادق مراحلها، وتمر بطور خطير ربما كان أخطر أطوارها، ذلك بأنها استفاقت بعد عهد طويل من السبات أو الخَدَر كانت فيه رازحة تحت كابوس من الجهل والاستعمار والتفرق بين كثير من امرها لا تدركه، وقليل تدركه ولا تملكه، فكان عليها أن تصلح شؤونها في مختلف النواحي، وأن تجاري الأمم القوية في الأخذ بأسباب التقدم الملائمة للعصر، المناسبة الظروف والأحوال العالمية، وعليها قبل ذلك ان تحتفظ بمقوماتها فلا تذوب في غيرها معنى، وقد وقاها أن تذوب في غيرها حساً وفعلاً.
وهذه المرحلة في الأمم والشعوب أشبه بمرحلة الرشد في حياة الأفراد، تكتنفها الخطورة والدقة والصعاب من جميع نواحيها، فإن الفتى الذي عاش دهراً في حماية وصية أووليه ثم سُلم إليه أمر نفسه، يشعر بأنه مقبل على ما لم يألف، مكلف بالفصل فيما لم يعهد، مضطلع بألوان من التدبير والتصرف تحتاج إلى كثير من النظر والتأمل والاقدام والتجرؤ، فإذا لم يكن حصيفاً واسع الحيلة قوي العارضة مقداماً على الأمور غير هياب، فإن الدهر لا ينظره، والأحداث لا تمهله.
ولقد ثقلت ـ لذلك ـ أعباء الحكومات في البلاد الإسلامية ثقلا شديداً، وأصبح الحكام والرؤساء فيها أولى الناس بالاشفاق والرثاء، لكثرة ما يحملون فوق كواهلهم من أمانات كتب الله عليهم أن يؤدوها كاملة غير منقوصة، والأمور أمامهم مشتبهة، وميادين الإصلاح والجهاد متعددة، ومطالب الحياة السعيدة الراقية متكاثرة، وثمن الأمن والطمأ نينة غال غال حتى إنه ليصل إلى الارواح تبذل بذل السماح، والدماء تراق كما يراق الماء، وليس رجال الحكم وولاة