/ صفحه 113/
بعرض استدلالاتها، وحسبنا في ذلك: أن الذي يترجح عندنا أنها لم تكن من القرآن إلا في قوله تعالى من سورة النمل (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم). وقد تبع الخلاف في أنها جزء من الفاتحة أو ليست جزءا منها، اختلافهم في وجوب قراءتها أو عدمه في الصلاة، والجهر بها أو الإسرار إذا قرئت.
وقد تكلم المفسرون كثيراً في معنى البسلمة، وفي علاقة بعض الفاظها ببعض وفي المقصود منها أول السور، وقد راقنا في هذا المقام ما قاله الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنه:
ويتلخص في أنها تعبير يقصد به الفاعل إعلان تجرده من نسبة الفعل اليه، وأنه لو لا من يُعَنْوَن الفعل باسمه لما فعل، فهو له، وبأمره، وإقداره، وتمكينه، فمعنى افعل كذا باسم فلان، افعله معنوناً باسمه ولولاه لما فعلته، قال الاستاذ: وهذا الاستعمال معروف مألوف في كل اللغات. وأقربه اليوم ما يرى في المحاكم النظامية حيث يبتدئون الأحكام قولا وكتابة باسم السلطان أو الخديوي فلان.
تحقيق المقصود من التسمية في أول السور:
ولعل هذا يرشدنا إلى أن القصد منها في أوائل السور ليس هو مجرد التبرك أو الاستعانة كما يقولون، وإنما القصد منها أولا وبالذات، لفت أرباب العقول بادئ ذي بدء إلى ان هذه السُّور وما يتلى فيها من آيات، وما تدل عليه من أحكام وقصص، إنما هي لله ومن الله، وليس لأحد من خلقه شئ فيها، فليست من قول محمد، ولا من تعليم بشر، (ان هو إلا وحي يوحى) (الرحمن علم القرآن) ألا وإن مجيئها على هذا الاسلوب المألوف في إفادة هذا المعنى، الجامع لو صفين كريمين لم يعهد عندهم أحدهما، كما لم يعرف اجتماعهما، وهما الرحمن الرحيم، لمما ويشعر بأن هذا القرآن قد جاء على غير ما يألفون من كلام الملوك والزعماء والشعراء. وفي هذا إضعاف لروح المعارضة التي يعلم الله أن فريقا من الخصوم سيقوم بها وبترويجها ضد القرآن وضد نبي القرآن، هذا ولا يبعد أن يكون انحطاط ما أثر عنهم في معارضة القرآن، حتى عن مألوف كلامهم، أثراً من روعة هذا الشعار الالهي القوي العظيم: (بسم الله الرحمن الرحيم).