ـ(22)ـ
القاعدة 11 ـ التمييز ظاهر اللفظ ومألوف الذهن
لا ريب أنّ ظواهر الآيات حجة كظاهر كلام كلّ متكلم على ما جرى عليه قانون المحاورة عند عقلاء البشر. لكن هاهنا نكتة يجب التنبيه عليها لئلا يشتبه علينا الأمر في حد الظاهر كما اشتبه على جماعة من السطحيين، وهي أنّ المسميات المادية محكومة بالتغير والتبدل بحسب تبدل الحوائج في طريق التحوّل والتكامل، كما أنّ السراج أوّل ما عمله الإنسان كان إناء فيه فتيلة وشيء من الدهن تشتعل به الفتيلة للاستضائة به في الظلمة، ثمّ لم يزل يتكامل حتّى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائي.
وكذا الميزان المعلوم أوّلاً والميزان المعلوم اليوم لقياس وزن ثقل الحرارة مثلاً، والسلاح المتخذ سلاحاً أوّل يوم والسلاح المعمول اليوم إلى غير ذلك.
فالمسميات بلغت من التغير إلى حيث فقدت جميع أجزائها السابقة، ذاتاً وصفة والاسم مع ذلك باقٍ، وليس إلاّ لأنّ المراد من التسمية إنّما هو من الشيء غايته لا شكله وصورته. فما دام غرض الوزن أو الاستضائة أو الدفاع باقياً كان اسم الميزان والسراج والسلاح وغيرها باقياً على حاله. فالمدار في صدق الاسم اشتمال المصداق على الغاية والغرض لا جمود اللفظ على صورة واحدة، فذلك مما لا مطمح فيه البتة، ولكنّ العادة والأنس منعانا ذلك.
وهذا هو الذي دعا المقلّدة من أصحاب الحديث من الحشوية والمجسمة ومن حذا حذوهم أن يجمدوا على ظواهر الآيات في التفسير، وليس في الحقيقة جمدوا على الظواهر بل هو جمود على العادة والأنس في تشخيص المصاديق(1).
______________________
1 ـ راجع الميزان 1: 9 ـ 10.