ـ(172)ـ
عالج كذلك قضايا أهل الذمة، من أصحاب الديانات السماوية الأخرى، والذين يحيون تحت كنف الإسلام، إذ أجاز لهم أن يترافعوا في المحاكم الإسلاميّة، والتي تحكم لهم وفق القوانين الإسلاميّة، لا وفق قوانينهم، إنّ أرادوا أن يترافعوا فيها، ومن خصائص النظام القضائي في الإسلام، أنّه يستطيع استيعاب أية قضية ويعالجها وفق أهدافه في تحقيق العدل والأنصاف.
ويحسن بنا قبل الدخول في الموضوع أن نعرف القضاء ونبين الفرق بينه وبين الفتوى . ثم نتطرق إلى خصائصه العامة وأبعاده المختلفة ومنه تعالى نستمد العون.

تعريف القضاء:
قلنا أن عمر القضاء كنظام مدون ومكتوب في الإسلام يزيد على الالف عام، ذلك أن الفقهاء المسلمين قد دونوا نظاماً دقيقاً أفرزوه في رسائلهم الفقهية، تحت عنوان: (كتاب القضاء) أو (باب القضاء) أو كانوا يكتبون رسالة مستقلة فيه، وقد نهج فقاؤنا المعاصرون النهج ذاته، الذي انتهجه سلفهم، بحيث عندما تطالع الرسائل الفقهية المكتوبة اليوم لاتجد فرقا واسعا بينها وبين سلفها المكتوب قبل اكثر من ألف عام، اللهم إلاّ في المسائل المستحدثة والتي أعطوا آراءهم فيها، فإذا طالعنا الرسائل الفقهية القديمة منها والمعاصرة نجد أن القضاء يعني: (فصل الخصومة بين المتخاصمين، والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه) (1).
______________________
1 ـ تكملة منهاج الصالحين (الإمام الخوئي "رض"). كتاب القضاء، الدر المختار: 4 : 309، الشرح الكبير: للدردير بحاشية الدسوقي، شرح الجامع الصحيح للأمام ابن عمرو الاباضي: ج 3 : ص 241، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام لمحمد حسن النجفي : ج 14 : ص 6.