ـ(78)ـ
الأساسية هي (مبنى المصالح العامة والفردية) للمجتمع الإنساني لا الإسلامي فحسب في كل عصر وبيئة، ولكن من حيث وضع الشارع لها، لا من حيث مطلق إدراك المكلف إياها (1).

لا مجال للأهواء:
وفي هذا المعنى يقول ما نصه: (المصالح المجتلبة شرعا، والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية) ويقيم بعض الأدلة على هذا المعنى بقولـه: (إنما جاءت ـ الشريعة ـ لتخرج الناس عن دواعي أهوائهم، حتى يكونوا عبادا لله اختيارا كما أنهم عبيد لله اضطرارا (2).
على أن الاجتهاد في المصالح ـ نظرا وتحقيقا ـ إنما ينصب أساسا على تحديد خصائص الأفعال التي تناسب تحقيقها؛ لأن (المصالح) من حيث هي غايات تستهدفها الأفعال التي تتسم بخصائص مناسبة معينة لذلك التحقيق. وأما الاجتهاد في الحكم الشرعي؛ فمنصب على بناء تلك الأفعال وتشريعه لها على نحو يغلب على الظن إفضاء هذا الحكم إلى تحقيق غايته من المصلحة المعتبرة، بحيث يفرعه عن كليه لايريم عنه، ولا ينافيه، وإلا كان الاعتساف، وهذا لا يتم ـ عقلا وواقعا ـ إلاّ بأعمال الاجتهاد، فثبت أن (التقليد) الذي هو عري عن الدليل ـ جزئيا وكليا ـ أو (التعصب) لرأي مجتهد كليهما ضرب من ضروب (الهوى المتبع) وذلك مناف قطعا لهذا الأصل العام، وفي هذا المعنى يقول الامام الشاطبي: (لذلك احتج إلى فتح باب الاجتهاد...) فلا يجوز إغلاقه بأي حال من الأحوال، ويعلل ذلك بقولـه: (فإما أن يترك الناس مع أهوائهم، أو ينظر إليها
_________________________
1 ـ الموافقات 2: 27 بتحقيق الشيخ دراز.
2 ـ المرجع السابق: 38 وما يليها.