@ آخر وهو كونه الغالب الأكثر وأمثال ذلك في الكتاب والسنة لا يحصى وهذا الذي نحن فيه من هذا الجنس فإن لتخصيص ذلك بيوم القيامة سببا ظاهرا غير انتفائه عن غير يوم القيامة وهو كون القيامة يوم الجزاء واليوم الذي يوفى فيه جزاء الخلوف الجزاء الأوفى وتظهر فيه فضيلته في الميزان على فضيلة المسك الذي يستعمله العبد دفعا للرائحة الكريهة طلبا بذلك رضى الرب تبارك وتعالى حيث يكون دافع الرائحة الكريهة وجلب الرائحة الطيبة مأمورا به كما في المساجد والصلوات والعبادات فأعلم صلى الله عليه وسلم أن ثقل الخلوف في الميزان يوم القيامة أكثر من ثقل المسك إذا استعمله العبد طلبا لمرضاة الرب تعالى فخص يوم القيامة بالذكر في بعض الروايات من أجل ذلك وأطلق ولم يخص في أكثر الروايات نظرا إلى أصل فضيلته على المسك عند الله وقبوله ورضاه به الذي هو مطلق ثابت في الدارين .
ونظير قوله تبارك وتعالى ! 2 < أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير > 2 ! فقيد بيوم القيامة كونه خبيرا بهم مع أنه سبحانه وتعالى خبير بهم مطلقا لكن خص يوم القيامة بالذكر لأنه يوم المجازاة على أعمالهم التي هو بها سبحانه خبير عليم وهذا واضح لا غبار عليه ثم إني أقول لو كان ممن يعرف مراتب الأدلة لم يعمل هذا كله بسبب دليل المفهوم الذي هو سلم شرطة له لكان مما لا يقوى على ما يعترف به وآثار ذلك تظهر في علم أصول الفقه وقد أبطل دلالته الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه وبعض أصحابنا وغيرهم .
وعند هذا نقول كما أنه لم يسلم من شتيمته الفاحشة العلماء الشارحون للحديث على ما تقدم بيانه فكذلك لم يسلم منها من وجه آخر الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه فإنه قد قال من أطلق ما قيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطىء جاهل بالسنة إلى آخر قوله وأبو حنيفة لما كان نافيا دلالة المفهوم أطلق ما قيده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة منها قال صلى الله عليه وسلم من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها