@ 394 @ وإنما هو كالأشياء المكتسبة ، والعلوم المحفوظة التي يتحكم عليها العقل ، ويعتمد في استجلابها حتى تصير من جملة مودعاته . فهؤلاء إذا دخلوا في العمل ، خف عليهم خفة أخرى زائدة على مجرد التصديق في المرتبة الأولى ، بل لا نسبة بينهما ، إذ هؤلاء يأبي لهم البرهان المصدق أن يكذبوا ، ومن جملة التكذيب الخفي العمل على مخالفة العلم الحاصل لهم ، ولكنهم حين لم يصر لهم كالوصف ، ربما كانت أوصافهم الثابته من الهوى والشهوة الباعثة الغالبة أقوى الباعثين ، فلا بد من الافتقار إلى أمر زائد من خارج ، غير أنه يتسع في حقهم فلا يقتصر فيه على مجرد الحدود والتعزيرات ، بل ثم أمور أخرى ، كمحاسن العادات ، ومطالبة المراتب التي بلغوها بما يليق بها ، وأشباه ذلك . وهذه المرتبة أيضاً يقوم البرهان عليها من التجربة ، إلا أنها أخفي مما قبلها ، فيحتاج إلى فضل نظر موكول إلى ذوي النباهة في العلوم الشرعية والأخذ في الإنصافات السلوكية . .
والمرتبة الثالثة : الذين صار لهم العلم وصفاً من الأوصاف الثابتة ، بمثابة الأمور البديهية في المعقولات الأولى ، أو تقاربها ، ولا ينظر إلى طريق حصولها ، فإن ذلك لا يحتاج إليه ، فهؤلاء لا يخليهم العلم وأهواءهم إذا تبين لهم الحق ، بل يرجعون إليه رجوعهم إلى دواعيهم البشرية وأوصافهم الخلقية . وهذه المرتبة هي المترجم لها ، والدليل على صحتها من الشريعة كثير كقوله تعالى : ( ^ أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ؟ ) ) ثم قال ( ^ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ ) ) الآية . فنسب هذه المحاسن إلى أولي العلم من أجل العلم ، لا من أجل غيره . وقال تعالى ( ^ الله نزل أحسن الحديث ، كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ) ) والذين يخشون ربهم هم العلماء لقوله : ( ^ إنما يخشى الله من عبادة العلماء ) ) وقال تعالى : ( ^ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) ) الآية . ولما كان السحرة قد بلغوا في علم السحر مبلغ