@ 303 @ تعفف عن الدخول في القضايا إلا في النادر ثم ترك أصلا كل ذلك مع الفهم الجيد وحسن التصور وذوق العلم والإتقان فيما يبديه والمشاركة في فنون والرغبة في إخفاء كثير من أعماله الصالحة ، وقد جود الخط على الزين بن الصائغ وكتب به كثيرا لنفسه ولغيره من كتب العلم وغيرها وانتفى وأفاد وكذا كتب بخطه ماربعة ومصحف ووقف بعضها قصدا للثواب بل أهدى لكل من الأشرف قايتباي وجانبك الدوادار ويشبك الدوادار وغيرهم ربعة وامتنع من قبول ما يثيبونه في مقابل ذلك وهو شيء كثير ، وكتب فيما أخبرني به ربع القرآن وضبطه في ليلة لاضطراره لذلك في الارتفاق بثمنه في ملاقاة شيخه ابن الجندي حين حج ، وبالجملة فهو حسنة من حسنات الدهر وقد صحبته قديما فما أعلم منه إلا الخير وأشهد منه من مزيد الحب ما لا أنهض لبثه ، وسمع مني بالقاهرة جملة وعين للقضاء غير مرة بإشارة شيخه الأمين وغيره وهو لا يذعن حتى كانت كائنة شقراء ابنة الناصر فرج بن برقوق وانحراف السلطان عن المحب بن الشحنة بسبب قيام ابنه الصغير في التعصب معها وغير ذلك حسبما شرحته في الحوادث صرح بعزل القاضي وأخذ بيده فأقامه من مجلسه ثم ولى صاحب الترجمة إلزاما وذلك في يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين من غير سبق علم بذلك فيما قيل مع استدعاء السلطان له أمس تاريخه وتكلم معه في الكائنة وغيرها وركب ومعه المالكي والحنبلي في جمع من نواب كل منهم حتى وصل الصالحية على العادة وهي محل سكنه وهرع الناس للسلام عليه واستقر بالشريف جلال الدين الجرواني نقيب شيخه في النقابة . ورام التخفيف من النواب والاقتصار على من يكون منهم أشبه فلم يتم لكن مع التأكيد على جماعة منهم ثم باشر على طريقته في التصميم وما تمكن من منع الاستبدالات بعد معالجة ومراجعة كما بينته في تراجم القضاة وغيرها ولكن مع احتياط وضبط بالنسبة ، ثم قرره السلطان في مشيخة البرقوقية ونظرها بعد موت العضدي الصيرامي وأعرض حينئذ عن كثير من وظائفه الصغار لجماعة من الفضلاء والمستحقين مجانا لارتقائه عن مباشرتها بل رام فيما بلغني إعطاؤه الشيخونية فما وافق كما أنه لم يوافق على المؤيدية قبل ، واستمر في القضاة وهو يكابد ويناهد ويدافع ويمانع ويخاصم ويسالم ويتعصب ويغضب ويقوم ويقعد ويشدد ويتودد ويملك ما يمدح به أو يذم أو يغضب صديقه أو يطم كقيامه مع البقاعي في حادثة ليس في الإمكان أبدع مما كان ) .
وعدم التفاته في الخوض في جانبه بما يقاربها وكاد أمره أن ينحط عند الملك فلطف الله به . .
ومات في عزه ووجاهته في