@ 248 @ بيروت ورحل إلى دمشق ثم طوف بلاد الشام وقطن القدس مدة وشاع ذكره إلى أن ملأ الأسماع والبقاع ثم حج ورجع إلى القاهرة مع الكمال ابن البارى فزادت حظوته عند السلطان وأركان الدولة ودرس الناس في عدة فنون فبهر العقول وأدهش الألباب على أسلوب غريب بعبارة جزلة وطلاقة كأنها السيل بحيث يكون جهد الفاضل البحاث أن يفهم ما يلقيه حتى قال له الطلبة تنزل لنا في العبارة فإنا لا نفهم جميع ما تقول فقال لا تنزلونى اليكم ودعونى أرقيكم إلى فبعد كذا وكذا مدة حدها تصيرون إلى فهم كلامى فكان الأمر كما قال .
وكان جماعة من أعيان تلامذته يطالعون الدرس ويجتهدون في ذلك غاية الاجتهاد حتى يظن بعضهم أنه يفوق عليه فإذا وقع الدرس أظهر لهم من المباحث مالم يخطر لهم ببال مع امتحانهم له مرارا فيجدونه في خلوته نائما غير مكترث بمطالعة ولا غيرها قال البقاعى حضرت درسه بالجامع الأزهر في فقه المالكية فظهر لى أننى ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وأن من لم يحضر درسه لم يحضر العلم ولا سمع كلام العرب ولا رأى الناس بل ولا خرج إلى الوجود .
وقال ابن الهمام هذا الرجل لا ينتفع بكلامه ولا ينبغى أن يحضر درسه إلا حذاق العلماء وذكر البقاعى أن صاحب الترجمة هو الذى أرشده إلى ما وضعه في التفسير من المناسبات بين الآيات والسور وأنه قال له الأمر الكلى المفيد بعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذى سيقت إليه السورة وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ماسيتبعه من اشراف نفس السامع إلى الأحكام