.
وكان ينبه العاقل بحسن الملاطفة ودقيق المخاطبة ليختار لنفسه طريقتهم ويسلك سبيلهم وإن كان دونها من الطريق من اتخاذ المباحات جائز لكن العاقل يدله عقله على طلب الاعلى .
فأنظر بعين الانصاف إلى ما وفق له هذا الإمام واجرى عليه ما أقعد عنه غيره وخذل عن طلبه لكن لكل شئ سبب وعلامة عدم التوفيق سلب الاسباب ومن أعظم الاسباب لترك فضول الدنيا التخلي عن غير الضروري منها .
فلما وفق الله هذا الامام لرفض غير الضروري منها انصبت عليه العواطف الالهية فحصل بها كل فضيلة جليلة بخلاف غيره من علماء الدنيا مختاريها وطالبيها والساعين لتحصيلها فانهم لما اختاروا ملاذها وزينتها ورئاستها انسدت عليهم غالبا طرق الرشاد فوقعوا في شركها يخبطون خبط عشواء ويحطبونها كحاطب ليل لا يبالون ما يأكلون ولا ما يلبسون ولا ما يتأولون ما يحصل لهم أغراضهم الدنيئة ومقاصدهم الخبيثة الخسيسة فهم متعاضدون على طلبها يتحاسدون بسببها اجسامهم مليئة وقلوبهم من غيرها فارغة وظواهرهم مزخرفة معمورة وقلوبهم خربة مأسورة